معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةِۭ بِمِثۡلِهَا وَتَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ مَّا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۖ كَأَنَّمَآ أُغۡشِيَتۡ وُجُوهُهُمۡ قِطَعٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مُظۡلِمًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (27)

قوله تعالى : { والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها } ، أي : لهم مثلها ، كما قال : { ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها } [ الأنعام-160 ] . { وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم } ، و{ من } صلة ، أي : ما لهم من الله من عاصم ، { كأنما أغشيت } ، ألبست ، { وجوههم قطعاً } ، جمع قطعة ، { من الليل مظلماً } ، نصبت على الحال دون النعت ، ولذلك لم يقل : مظلمة ، تقديره : قطعا من الليل في حال ظلمته ، أو قطعا من الليل المظلم . وقرأ ابن كثير والكسائي ويعقوب : " قطعاً " ساكنة الطاء ، أي بعضا ، كقوله : { بقطع من الليل } [ هود-81 ] . { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةِۭ بِمِثۡلِهَا وَتَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ مَّا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۖ كَأَنَّمَآ أُغۡشِيَتۡ وُجُوهُهُمۡ قِطَعٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مُظۡلِمًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (27)

{ والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها } عطف على قوله { للذين أحسنوا الحسنى } على مذهب من يجوز : في الدار زيد والحجرة عمرو ، أو { للذين } مبتدأ والخبر { جزاء سيئة بمثلها } على تقدير : وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها ، أي أن تجازى بسيئة مثلها لا يزاد عليها ، وفيه تنبيه على أن الزيادة هي الفضل أو التضعيف أو { كأنما أغشيت وجوههم } ، أو أولئك أصحاب النار وما بينهما اعتراض ف { كأنما أغشيت وجوههم } ، أو أولئك أصحاب النار وما بينهما اعتراض ف { جزاء سيئة } مبتدأ وخبره محذوف أي فجزاء سيئة بمثلها واقع ، أو بمثلها على زيادة الباء أو تقدير مقدر بمثلها . { وترهقهم ذلّة } وقرئ بالياء . { ما لهم من الله من عاصم } ما من أحد يعصمهم من سخط الله ، أو من جهة الله ومن عنده كما يكون للمؤمنين . { كأنما أُغشيت } غطيت . { وجوههم قِطعا من الليل مُظلماً } لفرط سوادها وظلمتها ومظلما حال من الليل والعامل فيه { أغشيت } لأنه العامل في { قطعا } وهو موصوف بالجار والمجرور ، والعامل في الموصوف عامل في الصفة أو معنى الفعل في { من الليل } . وقرأ ابن كثير والكسائي ويعقوب " قطعا " بالسكون فعلى هذا يصح أن يكون { مظلما } صفة له أو حالا منه . { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } مما يحتج به الوعيدية . والجواب أن الآية في الكفار لاشتمال السيئات على الكفر والشرك ولأن الذين

أحسنوا يتناول أصحاب الكبيرة من أهل القبلة فلا يتناولهم قسيمه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةِۭ بِمِثۡلِهَا وَتَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ مَّا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۖ كَأَنَّمَآ أُغۡشِيَتۡ وُجُوهُهُمۡ قِطَعٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مُظۡلِمًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (27)

وقوله : { والذين كسبوا السيئات } الآية ، اختلف النحويون في رفع «الجزاء » بم هو ؟ فقالت فرقة : التقدير لهم جزاء سيئة بمثلها ، وقالت فرقة : التقدير جزاء سيئة مثلها والباء زائدة .

قال القاضي أبو محمد : ويتوجه أن يكون رفع «الجزاء » على المبتدأ وخبره في { الذين } لأن { الذين } معطوف على قوله { للذين أحسنوا } فكأنه قال والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها ، وعلى الوجه الآخر فقوله { والذين كسبوا السيئات } رفع بالابتداء ، وتعم { السيئات } ها هنا الكفر والمعاصي فمثل سيئة الكفر التخليد في النار ، ومثل سيئة المعاصي مصروف إلى مشيئة الله تعالى . و «العاصم » المنجي « ، ومنه قوله تعالى { إلى جبل يعصمني من الماء }{[6088]} . و { أغشيت } كسيت ومنه الغشاوة ، و » القطع «جمع قطعة ، وقرأ ابن كثير والكسائي » قطْعاً «من الليل بسكون الطاء ، وقرأ الباقون بفتح الطاء ، و » القطع «الجزء من الليل ومنه قوله تعالى : { فاسر بأهلك بقطع من الليل }{[6089]} وهذا يراد به الجزء من زمان الليل ، وفي هذه الآية الجزء من سواده{[6090]} . و { مظلماً } ، نعت ل » قطع « ، ويجوز أن يكون حالاً من الذكر الذي في قوله { من الليل }{[6091]} ، فإذا كان نعتاً فكان حقه أن يكون قبل الجملة ولكن قد يجيء بعدها ، وتقدير الجملة قطعاً استقر من الليل » مظلماً «على نحو قوله تعالى : { وهذا كتاب أنزلناه مبارك }{[6092]} ومن قرأ » قطعاً «على جمع قطعة فنصب » مظلماً «على الحال { من الليل } والعامل في الحال { من } إذ هي العامل في ذي الحال{[6093]} ، وقرأ أبي بن كعب ، » كأنما يغشى وجوههم قطع من الليل مظلم{[6094]}« ، وقرأ ابن أبي عبلة » قطَع من الليل مظلم «بتحريك الطاء في قطع .


[6088]:- من الآية (43) من سورة (هود).
[6089]:- من الآية (81) من سورة (هود)، والآية (65) من سورة (الحجر).
[6090]:- أي: يراد الزمان من الليل في آية هود وآية الحجر، حيث طلب إلى لوط عليه السلام أن يسري بأهله في هذا الزمن من الليل، أما في آيتنا {كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل} فيراد به جزء من سواده وظلامه.
[6091]:- يريد بقوله: "الذكر" الضمير في متعلق {من الليل}
[6092]:- من الآية (92) من سورة (الأنعام)، وقد نقل أبو حيان هذا الكلام عن ابن عطية ثم عقب عليه بقوله: "ولا يتعين تقدير العامل في المجرور بالفعل فيكون جملة، بل الظاهر أن يقدر باسم الفاعل فيكون من قبيل الوصف بالمفرد، والتقدير: فقطعا كائنا من الليل مظلما".
[6093]:- قال في تفسير "أبو السعود": "العامل فيه (أغشيت) لأنه العامل في (قطعا)، وهو موصوف بالجار والمجرور، والعامل في الموصوف عامل في الصفة، أو معنى الفعل في (من الليل). وهذا التوضيح مذكور أيضا في الكشاف.
[6094]:- بسكون الطاء في (قطع)، أما قراءة ابن أبي عبلة فالطاء مفتوحة كما قال ابن عطية.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةِۭ بِمِثۡلِهَا وَتَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ مَّا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۖ كَأَنَّمَآ أُغۡشِيَتۡ وُجُوهُهُمۡ قِطَعٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مُظۡلِمًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (27)

عطف على جملة { للذين أحسنوا الحسنى } [ يونس : 26 ] . وعبر في جانب المسيئين بفعل { كسبوا السيئات } دون فعل أساءوا الذي عبر به في جانب الذين أحسنوا للإشارة إلى أن إساءتهم من فِعلهم وسعيهم فما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون .

والموصول مراد به خصوص المشركين لقوله بعده : { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } . فإن الخلود في النار لا يقع إلا للكافرين ، كما دلت عليه الأدلة المتظافرة خلافاً للمعتزلة والخوارج .

وجملة : { جزاءُ سيئة بمثلها } خبر عن { الذين كسبوا السيئات } . وتنكير ( سيئة ) للعموم ، أي جزاء كل سيئة بمثلها ، وهو وإن كان في سياق الإثبات فالعموم مستفاد من المقام وهو مقام عموم المبتدأ . كقول الحريري :

يا أهلَ ذا المغنَى وُقيتم ضُرا

أي كل ضر . وذلك العموم مُغن عن الرابط بين الجملة الخبرية والمبتدأ ، أو يقدر مجرور ، أي جَزاء سيئةٍ منهم ، كما قدر في قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضاً أو به أذًى من رأسه ففدية من صيام } [ البقرة : 196 ] أي فعليه .

واقتصر على الذلة لهم دون زيادة ويَرهقهم قَتر ، لأنه سيجيء ما هو أشد منه وهو قوله : { كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً } .

وجملة : { ما لهم من الله من عاصم } خبر ثان ، أو حال من { الذين كسبوا السيئات } أو معترضة . وهو تهديد وتأييس .

والعاصم : المانع والحافظ . ومعنى { من الله } من انتقامه وجزائه . وهذا من تعليق الفعل باسم الذات ، والمرادُ بعض أحوال الذات مما يدل عليه السياق مثل { حُرمت عليكم الميتة } [ المائدة : 3 ] .

وجملة { كأنما أغشيت وجوهُهم } الخ بيان لجملة : { ترهقهم ذلة } بيانَ تمثيل ، أو حالٌ من الضمير في قوله : { وترهقهم } .

و { أغشيت } معدَّى غَشِي إذا أحاط وغَطا ، فصار بالهمزة معدى إلى مفعولين من باب كسَا . وتقدم في قوله تعالى : { يُغشي الليلَ النهارَ } في [ الأعراف : 54 ] ، وقوله : { إذ يُغْشِيكُم النعاس } في [ الأنفال : 11 ] .

والقِطع بفتح الطاء في قراءة الجمهور : جمع قِطعة ، وهي الجزء من الشيء ، سمي قطعة لأنه يُقتطع من كل غالباً ، فهي فعْلة بمعنى مفعولة نقلت إلى الاسمية . وقرأه ابن كثير والكسائي ويعقوب قِطْعاً } بسكون الطاء . وهو اسم للجزء من زمن الليل المظلم ، قال تعالى : { فاسر بأهلك بقِطْع من الليل } [ هود : 81 ] .

وقوله : { مظلماً } حال من الليل . ووصف الليل وهو زمن الظلمة بكونه مظلماً لإفادة تمكن الوصف منه كقولهم : ليل أليل ، وظل ظليل ، وشعر شاعر ، فالمراد من الليل الشديد الإظلام باحتجاب نجومه وتمكّن ظلمته . وشُبهت قَترة وجوههم بظلام الليل .

وجملة : { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } هي كجملة { أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } [ يونس : 26 ] .