تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةِۭ بِمِثۡلِهَا وَتَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ مَّا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۖ كَأَنَّمَآ أُغۡشِيَتۡ وُجُوهُهُمۡ قِطَعٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مُظۡلِمًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (27)

{ وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 27 }

المفردات :

كسبوا السيئات : عملوا المعاصي من كفر وغيره .

من عاصم : من حافظ ومانع .

أغشيت : غطيت .

التفسير :

28 { وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا . . . } الآية .

أثاب الله المتقين بالحسنى وزيادة ، ثم عاقب مرتكب السيئة بمثل ما ارتكب ، فالجزاء الحق من جنس العمل ؛ فمن ارتكب السيئات جازاه الله على كل سيئة بمثلها ، أي : بمقدارها في الصغر والعظم ، بدون زيادة .

قال تعالى : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها } . ( الأنعام : 160 ) .

{ وترهقهم ذلة } . أي : يغشاهم الهوان الذي يلف وجوههم ونفوسهم .

قال تعالى : { ووجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة * أولئك هم الكفرة الفجرة } . ( عبس : 40 42 ) .

فشدة العذاب قد أثرت في نفوسهم وأرهقها بالمذلة والهوان ، نعوذ بالله تعالى من حال أهل النار !

قال تعالى : { وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل } . ( الشورى : 45 ) .

{ ما لهم من الله من عاصم } .

أي : ليس لهم من دون الله منقذ أو مدافع يحميهم من عذابه .

{ كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما } .

كأنما ألبست وجوههم أجزاء أغشية من سواد الليل المظلم ؛ لفرط سوادها وظلمتها ، فالسواد قد علا وجوههم ، وتراكم السواد طبقات فوق طبقات ، وفيه تعبير عن ظلام النفس وظلام الوجه ، ومن حكمة الله أن ظلام النفس يظهر أثره على ظلام الوجه .

قال تعالى : { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون * وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون{ . ( آل عمران : 106 : 107 ) .

وقال الشوكاني :

{ كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما } ؛ لشدة ما يغشاها من دخان النار وسوادها . ا ه .

{ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } .

أي : أولئك المتصفون بتلك الصفات ، هم أصحاب النار لا انفكاك لهم عنها ، وهم فيها خالدون خلودا أبديا لا نهاية له . وفي الآيتين صور من كمال الرضوان للمؤمنين ، وصور رائعة من الأدب الرفيع في ألوان العذاب التي تحيق بالكافرين .