فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةِۭ بِمِثۡلِهَا وَتَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ مَّا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۖ كَأَنَّمَآ أُغۡشِيَتۡ وُجُوهُهُمۡ قِطَعٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مُظۡلِمًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (27)

{ والذين كَسَبُواْ السيئات جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا } هذا الفريق الثاني من أهل الدعوة ، وهو معطوف على { للَّذِينَ أَحْسَنُواْ } كأنه قيل : وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها ، أو يقدر . وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها : أي يجازي سيئة واحدة بسيئة واحدة ، لا يزاد عليها ، وهذا أولى من الأوّل ، لكونه من باب العطف على معمولي عاملين مختلفين ، والمراد بالسيئة : إما الشرك ، أو المعاصي التي ليست بشرك ، وهي ما يتلبس به العصاة من المعاصي ، قال ابن كيسان : الباء زائدة ، والمعنى : جزاء سيئة مثلها ؛ وقيل : الباء مع ما بعدها الخبر ، وهي متعلقة بمحذوف قامت مقامه ، والمعنى : جزاء سيئة كائن بمثلها ، كقولك إنما أنا بك ، ويجوز أن يتعلق بجزاء ، والتقدير جزاء سيئة بمثلها كائن ، فحذف خبر المبتدأ ، ويجوز أن يكون { جَزَاء } مرفوعاً على تقدير : فلهم جزاء سيئة ، فيكون مثل قوله : { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } أي : فعليه عدّة . والباء على هذا التقدير متعلقة بمحذوف ، كأنه قال : لهم جزاء سيئة ثابت بمثلها ، أو تكون مؤكدة أو زائدة .

قوله : { تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } أي يغشاهم هوان وخزي . وقرئ «يرهقهم » بالتحتية { لَهُمْ مّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ } أي : لا يعصمهم أحد كائناً من كان من سخط الله وعذابه ، أو ما لهم من جهة الله ومن عنده من يعصمهم كما يكون للمؤمنين ، والأوّل : أولى ، والجملة في محل نصب على الحالية ، أو مستأنفة { كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ الليل مُظْلِماً } قطعاً جمع قطعة ، وعلى هذا يكون مظلماً منتصباً على الحال من الليل : أي أغشيت وجوههم قطعاً من الليل في حالة ظلمته . وقد قرأ بالجمع جمهور القراء . وقرأ الكسائي وابن كثير { قطعا } بإسكان الطاء ، فيكون مظلماً على هذا صفة لقطعا ، ويجوز أن يكون حالاً من الليل . قال ابن السكيت : القطع طائفة من الليل { أولئك } أي : الموصوفون بهذه الصفات الذميمة { أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون } وإطلاق الخلود هنا مقيد بما تواتر في السنة من خروج عصاة الموحدين .

/خ30