بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةِۭ بِمِثۡلِهَا وَتَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ مَّا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۖ كَأَنَّمَآ أُغۡشِيَتۡ وُجُوهُهُمۡ قِطَعٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مُظۡلِمًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (27)

ثم بيّن حال أهل النار فقال : { والذين كَسَبُواْ السيئات } ، يعني : أشركوا بالله وعبدوا الأصنام والشمس والقمر والملائكة والمسيح ، فهذه كلها من السيئات .

{ جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا } بلا زيادة ، يعني : لا يزاد على ذلك وهذا موصول بما قبله فكأنه قال : { وَلِلَّذِينَ * أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ } { والذين كَسَبُواْ السيئات جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا } بلا زيادة وهذا كقوله تعالى : { مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بالسيئة فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ الأنعام : 160 ] ، ويقال : { جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا } ، يعني : جزاء الشرك النار ، فلا ذنب أعظم من الشرك ، ولا عذاب أشد من النار . فيكون العذاب موافقاً لسيئاتهم ، كقوله تعالى : { جَزَآءً وفاقا } [ النبأ : 26 ] ، أي موافقاً لشركهم .

ثم قال : { وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } ، يعني : يغشى وجوههم الذلة وهي سواد الوجوه من العذاب . { مَّا لَهُمْ مّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ } ، يعني : مانع يمنع من عذاب الله تعالى ، ثم وصف سواد وجوههم فقال : { كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما } ، يعني : سواد الليل مظلماً ويقال : { قِطَعًا مِّنَ الليل } يعني : بعضاً من الليل وساعة منه . قال الفقيه : حدثنا الفقيه أبو جعفر قال : حدثنا محمد بن عقيل الكندي قال : حدثنا العباس الدوري قال : حدثنا يحيى بن أبي بكر ، عن شريك ، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة . رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أوقِدَ عَلَى النَّارِ ألَفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ، ثُمَّ أوقِد عَليَهَا ألفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ، ثم أوقِدَ عَلَيْهَا ألفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ ؛ فَهِي سَوْدَاءُ كَاللَّيْلِ المُظْلِمِ » قرأ ابن كثير والكسائي { قِطَعًا } بجزم الطاء وهو اسم ما قطع منه ، يعني : طائفة من الليل ، قرأ الباقون { قِطَعًا } بنصب الطاء يعني : جمع قطعة . وإنما أراد به سواد الليل { مُظْلِماً } وصار نصباً للحال أي في حالة الظلام . { أُولَئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون } ، أي مقيمون .