تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةِۭ بِمِثۡلِهَا وَتَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ مَّا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۖ كَأَنَّمَآ أُغۡشِيَتۡ وُجُوهُهُمۡ قِطَعٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مُظۡلِمًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (27)

وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا ) جزاء سيئة مما توجبه الحكمة أن يجزي بمثلها ، وأما جزاء الإحسان الخير فطريق [ الفاء ساقطة من الأصل وم ] وجوبه [ الإفضال والإحسان ، ليس طريق وجوبه ][ ساقطة من م ] الحكمة ؛ إذ سبق من الله إلى كل أحد من النعم ما ليس في وسعه القيام بمكافأة واحد منها عمره ، وإن طال ، واجتهد كل جهده فضلا أن يستوجب قبله جزاء ما كان منه من الخيرات .

وقوله تعالى : ( وترهقهم ذلة ) هو ما ذكر من آثار السيئات التي عملوها[ في الأصل وم : علموها ] في الدنيا ذلا وهوانا لهم ( مَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ) وذلك أنهم ، والله أعلم ، كانوا يعبدون الأصنام رجاء أن يكونوا لهم شفعاء ، فأخبر أن ليس لهم من عذاب [ الله ][ من م ، ساقطة من الأصل ] مانع يمنع ذلك عنهم كقولهم : ( هؤلاء شفعاؤنا عند الله )[ الآية : 18 ] .

وقوله تعالى : ( كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنْ اللَّيْلِ ) قيل : ألبست ، وأعطيت ، وقطعا مثَّقَلا[ يقصد محركا ، أنظر معجم القراءات القرآنية ح3/71 ] وخفَّفا قِطعا ؛ قيل : القِطَعُ بالتثقيل هو جمع القِطعة ، والقطع بالتخفيف جُزء من الليل . يقال : سرنا بقطع من الليل أي بجزء من الليل ، وقوله : ( فأسر بأهلك بقطع من الليل )[ هود : 81 ] أي بجزء منه ، والله أعلم .

ثم شبه وجوههم بظلمة الليل ، ولم يشبه بسواد الوجوه على ما يكون من سواد الوجوه في دنيا ، فذلك ، والله أعلم ، أن سواد الوجوه على ما يكون في الدنيا لا يبلغ من القبح غايته ؛ إذ قد يرغب من كان جنسه ونوعه في ذلك ، ويحسن ذلك عنده . فإذا كانت الرغبة قد تقع لبعضهم في بعض لم يبلغ في القبح غايته . وأما ظلمة الليل فإن الطباع تنفر عنها ، ولا تقع الرغبة بحال . لذلك شبه وجوه أهل النار بها ، والله أعلم .