ثم بين حال الفريق الآخر بقوله : { والذين } أي وجزاء الذين { كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها } أي جزاؤهم أن تجازى سيئة واحد بسيئة مثلها لا يزاد عليها . ومن جوز العطف على عاملين مختلفين جوز أن يكون التقدير : وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها . قالت المعتزلة : وفيه دليل على أن المراد بالزيادة في الآية المتقدمة الفضل ، لأنه دل بترك الزيادة على السيئة على عدله فناسب أن يكون قد دل هناك بإثبات الزيادة على المثوبة على فضله . { وترهقهم ذلة } فإنهم حين ماتوا ناقصين خالين عن الملكات الحميدة كان شعورهم بذلك سبباً لذلهم وهوانهم على أنفسهم ، وهذا على قاعدة حكماء الإسلام أن الجهل سواد وظلمة كما أن العلم والمعرفة بياض ونور ومنه قول الشبلي رضي الله عنه :
كل بيت أنت ساكنه *** غير محتاج إلى السرج
ومريض أنت عائده *** قد أتاه الله بالفرج
{ ما لهم من الله من عاصم } أي لا يعصمهم أحد من عذابه وسخطه ، أو ما لهم من جهة الله ومن عنده من يعصمهم كما للمؤمنين . والتحقيق أنه لا عاصم من الله لأحد في الدنيا ولا في الآخرة إلا بإذن الله إلا أن هذا المعنى في الآخرة أظهر كقوله : { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } [ غافر : 16 ] ثم بالغ في الكشف عن سواد وجوههم فقال : { كأنما أغشيت } أي ألبست { وجوههم قطعاً من الليل } من قرأ بسكون الطاء فمعناه البعض والطائفة و{ مظلماً } صفته . ومن قرأ بفتحها على أنه جمع قطعه فمظلماً حال من الليل والعامل فيه إما معنى الفعل في { من الليل } أو { أغشيت } لأن قوله : { من الليل } صفة لقوله : { قطعاً } فكان إفضاء العامل إلى الموصوف كإفضائه إلى الصفة قاله في الكشاف . واعلم أن جمعاً من العلماء ذهبوا إلى أن المراد بقوله : { والذين كسبوا السيئات } هم الكفار لأن سواد الوجه من علامات الكفر بدليل قوله : { فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم } [ آل عمران : 106 ] وقوله : { ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة } [ عبس : 40 - 42 ] ولقوله بعدها { ويوم نحشرهم } والضمير عائد إلى { هؤلاء } . ثم إنه وصفهم بالشرك . وقال الآخرون : اللفظ عام يتناول الكافر والفاسق إلا أن الآيات المذكورة مخصصة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.