غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةِۭ بِمِثۡلِهَا وَتَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ مَّا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۖ كَأَنَّمَآ أُغۡشِيَتۡ وُجُوهُهُمۡ قِطَعٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مُظۡلِمًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (27)

21

ثم بين حال الفريق الآخر بقوله : { والذين } أي وجزاء الذين { كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها } أي جزاؤهم أن تجازى سيئة واحد بسيئة مثلها لا يزاد عليها . ومن جوز العطف على عاملين مختلفين جوز أن يكون التقدير : وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها . قالت المعتزلة : وفيه دليل على أن المراد بالزيادة في الآية المتقدمة الفضل ، لأنه دل بترك الزيادة على السيئة على عدله فناسب أن يكون قد دل هناك بإثبات الزيادة على المثوبة على فضله . { وترهقهم ذلة } فإنهم حين ماتوا ناقصين خالين عن الملكات الحميدة كان شعورهم بذلك سبباً لذلهم وهوانهم على أنفسهم ، وهذا على قاعدة حكماء الإسلام أن الجهل سواد وظلمة كما أن العلم والمعرفة بياض ونور ومنه قول الشبلي رضي الله عنه :

كل بيت أنت ساكنه *** غير محتاج إلى السرج

ومريض أنت عائده *** قد أتاه الله بالفرج

{ ما لهم من الله من عاصم } أي لا يعصمهم أحد من عذابه وسخطه ، أو ما لهم من جهة الله ومن عنده من يعصمهم كما للمؤمنين . والتحقيق أنه لا عاصم من الله لأحد في الدنيا ولا في الآخرة إلا بإذن الله إلا أن هذا المعنى في الآخرة أظهر كقوله : { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } [ غافر : 16 ] ثم بالغ في الكشف عن سواد وجوههم فقال : { كأنما أغشيت } أي ألبست { وجوههم قطعاً من الليل } من قرأ بسكون الطاء فمعناه البعض والطائفة و{ مظلماً } صفته . ومن قرأ بفتحها على أنه جمع قطعه فمظلماً حال من الليل والعامل فيه إما معنى الفعل في { من الليل } أو { أغشيت } لأن قوله : { من الليل } صفة لقوله : { قطعاً } فكان إفضاء العامل إلى الموصوف كإفضائه إلى الصفة قاله في الكشاف . واعلم أن جمعاً من العلماء ذهبوا إلى أن المراد بقوله : { والذين كسبوا السيئات } هم الكفار لأن سواد الوجه من علامات الكفر بدليل قوله : { فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم } [ آل عمران : 106 ] وقوله : { ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة } [ عبس : 40 - 42 ] ولقوله بعدها { ويوم نحشرهم } والضمير عائد إلى { هؤلاء } . ثم إنه وصفهم بالشرك . وقال الآخرون : اللفظ عام يتناول الكافر والفاسق إلا أن الآيات المذكورة مخصصة .