معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحۡنَ أَزۡوَٰجَهُنَّ إِذَا تَرَٰضَوۡاْ بَيۡنَهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ مِنكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ ذَٰلِكُمۡ أَزۡكَىٰ لَكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (232)

قوله تعالى : { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن } . نزلت في جميلة بنت يسار أخت معقل بن يسار المزني ، كانت تحت أبي القداح عاصم بن عدي بن عجلان فطلقها .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد ابن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا أحمد بن أبي عمرو ، حدثني أبي حدثني إبراهيم عن يونس عن الحسن قال : حدثني معقل بن يسار ، قال : زوجت أختاً لي من رجل فطلقها ، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له : زوجتك وفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها ؟ لا والله لا تعود إليك أبداً ، وكان رجلاً لا بأس به ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله تعالى :

قوله تعالى : { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } . فقلت : الآن أفعل يا رسول الله ، قال : فزوجتها إياه . قوله تعالى : { فبلغن أجلهن } أي انقضت عدتهن ، { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } أي لا تمنعوهن عن النكاح . والعضل : المنع ، وأصله الضيق والشدة ، يقال : عضلت المرأة إذا نشب ولدها في بطنها فضاق عليه الخروج ، والداء العضال الذي لا يطاق علاجه ، وفي الآية دليل على أن المرأة لا تلي عقد النكاح ، إذ لو كانت تملك ذلك لم يكن هناك عضل ، ولا لنهي الولي عن العضل معنى ، وقيل الآية خطاب مع الأزواج لمنعهم من الإضرار ، لأن ابتداء الآية خطاب معهم ، والأول أصح .

قوله تعالى : { إذا تراضوا بينهم بالمعروف } . بعقد حلال ومهر جائز .

قوله تعالى : { ذلك } . أي ذلك الذي ذكر من النهي .

قوله تعالى : { يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر } . وإنما قال ذلك موحداً ، والخطاب للأولياء ، لأن الأصل في مخاطبة الجمع : ذلكم ، ثم كثر حتى توهموا أن الكاف من نفس الحرف وليست بكاف خطاب فقالوا ذلك ، فإذا قالوا هذا كانت الكاف موحدة ، منصوبة في الاثنين ، والجمع والمؤنث والمذكر قيل : هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فلذلك وحد ، ثم رجع إلى خطاب المؤمنين فقال :

قوله تعالى : { ذلكم أزكى لكم } . أي خير لكم .

قوله تعالى : { وأطهر } . لقلوبكم من الريبة ، وذلك أنه إذا كان في نفس كل واحد منهما علاقة حيث لم يؤمن أن يتجاوز ذلك إلى غير ما أحل الله لهما ولم يؤمن من الأولياء أن يسبق إلى قلوبهم منهما ما لعلهما أن يكونا بريئين من ذلك فيأثمون .

قوله تعالى : { والله يعلم وأنتم لا تعلمون } . أي يعلم من حب كل واحد منهما لصاحبه مالا تعلمون أنتم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحۡنَ أَزۡوَٰجَهُنَّ إِذَا تَرَٰضَوۡاْ بَيۡنَهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ مِنكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ ذَٰلِكُمۡ أَزۡكَىٰ لَكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (232)

{ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن } أي انقضت عدتهن ، وعن الشافعي رحمه الله تعالى دل سياق الكلامين على افتراق البلوغين . { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } المخاطب به الأولياء لما روي ( أنها نزلت في معقل بن يسار حين عضل أخته جميلاء أن ترجع إلى زوجها الأول بالاستئناف ) فيكون دليلا على أن المرأة لا تزوج نفسها ، إذ لو تمكنت منه لم يكن لعضل الولي معنى ، ولا يعارض بإسناد النكاح إليهن لأنه بسبب توقفه على إذنهن . وقيل الأزواج الذين يعضلون نساءهم بعد مضي العدة ولا يتركونهن يتزوجن عدوانا وقسرا ، لأنه جواب قوله { وإذا طلقتم النساء } . وقيل الأولياء والأزواج . وقيل الناس كلهم ، والمعنى : لا يوجد فيما بينكم هذا الأمر فإنه إذا وجد بينهم وهم راضون به كانوا الفاعلين له والعضل الحبس والتضييق منه عضلت الدجاجة إذا نشب بيضها فلم يخرج . { إذا تراضوا بينهم } أي الخطاب والنساء وهو ظرف لأنه ينكحن أو لا تعضلوهن . { بالمعروف } بما يعرفه الشرع وتستحسنه المروءة ، حال من الضمير المرفوع ، أو صفة لمصدر محذوف ، أو تراضيا كائنا بالمعروف . وفيه دلالة على أن العضل عن التزوج من غير كفؤ غير منهي عنه . { ذلك } إشارة إلى ما مضى ذكره ، والخطاب للجميع على تأويل القبيل ، أو كل واحد ، أو أن الكاف لمجرد الخطاب . والفرق بين الحاضر والمنقضي دون تعيين المخاطبين ، أو للرسول صلى الله عليه وسلم على طريقة قوله : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } للدلالة على أن حقيقة المشار إليه أمر لا يكاد يتصوره كل أحد . { يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر } لأنه المتعظ به والمنتفع . { ذلكم } أي العمل بمقتضى ما ذكر . { أزكى لكم } أنفع . { وأطهر } من دنس الآثام . { والله يعلم } ما فيه النفع والصلاح . { وأنتم لا تعلمون } لقصور علمكم .