الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحۡنَ أَزۡوَٰجَهُنَّ إِذَا تَرَٰضَوۡاْ بَيۡنَهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ مِنكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ ذَٰلِكُمۡ أَزۡكَىٰ لَكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (232)

قوله : /( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ) الآية [ 230 ] .

نزلت في رجل كان( {[7573]} ) له أخت ، زوجها من ابن عم له ، فطلقها ولم يراجعها حتى انقضت( {[7574]} ) عدتها ، فأراد أن يتزوجها المطلق لها وهي فيه راغبة ، فمنعها أخوها من ذلك( {[7575]} ) .

ولما نزلت هذه الآية دعا النبي [ عليه السلام ]( {[7576]} ) معقلاً فنهاه عن ذلك وتلاها عليه ، فترك الحمية وزوّجها من زوجها الأول على التراضي ، كما قال : ( إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالمَعْرُوفِ )( {[7577]} ) . فقيل( {[7578]} ) : إن أخا المرأة كان جابر بن عبد الله الأنصاري( {[7579]} ) .

وقيل : معقل بن يسار( {[7580]} ) . وقيل( {[7581]} ) : ابن( {[7582]} ) سنان( {[7583]} ) .

وقيل : إن( {[7584]} ) جابر بن عبد الله( {[7585]} ) كان أبا المرأة المطلقة فمنعها من أن ترجع إلى زوجها بعد انقضاء العدة أنفة ، فنزلت الآية( {[7586]} ) .

وقال ابن عباس : " نزلت في أولياء المرأة يمنعونها من مراجعة زوجها بعد انقضاء العدة " ( {[7587]} ) .

وقوله : ( فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ )[ 230 ] . أي لا تحبسوهن( {[7588]} ) .

وقيل : لا تضيقوا عليهن .

وحكى الخليل : دَجَاجَةٌ( {[7589]} ) مُعْضِلٌ ؛ إذا احتبس بيضها( {[7590]} ) .

وأصل العضل الضيق والمنع ، ومنه الداء العضال ، وهو الذي لا يطاق لضيقه عن العلاج( {[7591]} ) .

وهذه الآية تدل على أنه لا نكاح إلا بولي ، إذ لو جاز أن تنكح نفسها لم يخاطب الله الأولياء في المنع لها من الزواج( {[7592]} ) .

قوله : ( ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ )[ 230 ] .

أي هذا المذكور في الآية . و " ذلك " محمول على معنى الجمع ولو قال : " ذلكم " ( {[7593]} ) لجاز وهو الأصل( {[7594]} ) .

وقيل : إن ذلك/خطاب للنبي [ عليه السلام ] ( {[7595]} ) فلذلك وُحِّدَ ، ثم رجع إلى مخاطبة/المؤمنين فقال ( مِنكُمْ ) وقال في آخر الآية : ذَلِكُمُ أَزْكَى لَكُمْ )( {[7596]} ) [ 230 ] .

ومعنى ( وَأَطْهَرُ ) ، أي أطهر للقلوب من الريبة لأنه إذا كان في قلوب الزوجين كل واحد من صاحبه شيء ، ثم منعا من النكاح الذي هو حلال لهما ، لم يُؤْمِنْ أن يتجاوزا( {[7597]} ) إلى( {[7598]} ) ما لا يحل أو يُتّهَمَا بذلك( {[7599]} ) .

( وَاللَّهُ يَعْلَمُ ) [ 230 ] . أي يعلم أسراركم ، وما فيه حسن العاقبة لكم ، وأنتم لا تعلمون ذلك .

وقوله( {[7600]} ) : ( فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ) [ 230 ] .

هذا خطاب للأولياء بلا اختلاف ، فلا يكون البلوغ في هذا إلا تمام العدة . ولو كان على معنى المقاربة ، لم يكن للولي حكم في منعها من المراجعة إلا أن يكون الطلاق بائناً فيحتمل البلوغ الوجهين : المقاربة والتمام . فإنما هو في هذا الخروج من العدة ، فعند ذلك يقدر الوالي( {[7601]} ) على منع المراجعة . وبهذا علمنا أنه لا نكاح إلا بولي ؛ إذ لو كان لها أن تراجع زوجها بغير إذن وليها لم يخاطب الله الأولياء في ترك المنع ، فعلم أن للأولياء المنع من المراجعة والإجازة في الطلاق البائن وبعد إتمام العدة في الطلاق الرجعي بهذه الآية .

[ ولو ]( {[7602]} ) كان قوله : ( فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ) يريد به المقاربة لكان الحكم للزوج ، يردها إذا شاء ، وكان الطلاق رجعياً ، ولا يسأل عن وليها أجاز ، أو لم يجز . فلابد أن يكون بلوغ الأجل تمام العدة إذا جعلت الخطاب للأولياء .


[7573]:- في ع2، ع3: كانت.
[7574]:- في ح: انقضت. وهو تصحيف.
[7575]:- انظر: معاني الفراء 1/148.
[7576]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[7577]:- انظر: أسباب النزول 71-72، ولباب النقول 46.
[7578]:- وفي المصدرين السابقين أنها ابنة عمه.
[7579]:- في ع2، ع3: الأنصار. وهو تحريف.
[7580]:- انظر: سنن أبي داود 2/230، وسنن الترمذي 3/216، ومعاني الفراء 1/148، وأسباب النزول 71. ومعقل هو ابن يسار بن عبد الله المزني أبو علي، صحابي بايع تحت الشجرة. روى عنه عمران بن حصين مات في خلافة معاوية. انظر: طبقات ابن خياط 37، وتقريب التهذيب 2/265، والخلاصة 3/45.
[7581]:- عزا القرطبي هذا القول إلى الطحاوي. انظر تفسيره 3/158.
[7582]:- في ع3: بن. وهو خطأ.
[7583]:- هو معقل بن سنان، أبو محمد الأشجعي، صحابي. روى أحاديث. وروى عنه علقمة ومسروق. انظر الملاحظة 2/45.
[7584]:- قوله: "جابر بن عبد الله..وقيل إن" ساقط من ق.
[7585]:- في ع2، ع3: ابن. وهو خطأ.
[7586]:- وفي المصدرين السابقين أنها ابنة عمه.
[7587]:- انظر: جامع البيان 5/22.
[7588]:- انظر: هذا الشرح في مجاز القرآن 1/94، وتفسير الغريب 88، واللسان 2/806.
[7589]:- في ق: حاجة، وهو تحريف.
[7590]:- انظر: كتاب العين 324-325.
[7591]:- انظر: كتاب العين 324-325، واللسان 2/807.
[7592]:- وهو اختيار القرطبي. انظر تفسيره 3/158.
[7593]:- في ع2: ذلك. وهو خطأ.
[7594]:- انظر: هذا التوجيه في معاني الفراء 1/149، وتفسير القرطبي 3/159.
[7595]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[7596]:- انظر: جامع البيان 5/29.
[7597]:- في ع2، ع3: يتجاوز.
[7598]:- في ع2: إلا. وهو تحريف.
[7599]:- انظر: جامع البيان 5/29.
[7600]:- سقط حرف الواو من ق.
[7601]:- في ع2: الولي.
[7602]:- في ع2، ع3: فلو.