فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحۡنَ أَزۡوَٰجَهُنَّ إِذَا تَرَٰضَوۡاْ بَيۡنَهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ مِنكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ ذَٰلِكُمۡ أَزۡكَىٰ لَكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (232)

{ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون }232

( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ) الخطاب في هذه الآية بقوله ( وإذا طلقتم النساء ) وبقوله ( فلا تعضلوهن ) إما أن يكون للأزواج ويكون معنى العضل منهم أن يمنعوهن من أن يتزوجن من أردن من الأزواج بعد انقضاء عدتهن لحمية الجاهلية ، كما يقع كثيرا من الخلفاء والسلاطين غيرة على من كن تحتهم من النساء أن يصرن تحت غيرهم ، لأنهم لما نالوه من رياسة الدنيا وما صاروا فيه من النخوة والكبرياء يتخيلون أنهم قد خرجوا من جنس بني ادم إلا من عصمه الله منهم بالروع والتواضع .

وإما أن يكون الخطاب للأولياء ويكون معنى إسناد الطلاق إليهم أنهم سبب له لكونهم المزوجين للنساء المطلقات من الأزواج المطلقين لهن ، وبلوغ الأجل المذكور هنا المراد به المعنى الحقيقي أي نهايته لا كما سبق في الآية الأولى ، ولهذا قال الشافعي : اختلاف الكلامين على افتراق البلوغين ، والعضل الحبس ، وحكى الخليل : دجاجة معضلة قد احتبس بيضها ، وقيل العضل التضييق والمنع وهو راجع إلى معنى الحيس .

وقال الأزهري : أصل العضل من قولهم عضلت الناقة إذا نشب ولدها فلم يسهل خرجه ، وكل مشكل عند العرب معضل ، ويقال أعضل الأمر إذا أشتد ، وداء عضال أي شديد عسير البرء أعيا الأطباء .

وقوله ( أزواجهن ) إن أريد به المطلقون لهن فهو مجاز باعتبار ما كان ، وإن أريد به من يردن أن يتزوجنه فهو مجاز أيضا باعتبار ما سيكون .

وإذا تراضوا بينهم بالمعروف ) يعني إذا تراضى الخطّاب والنساء ، والمعروف هنا ما وافق الشرع من عقد حلال ومهر جائز ، وقيل هو أن يرضى كل واحد منهما بما التزمه لصاحبه بحق العقد حتى تحصل الصحبة الحسنة والعشرة الجميلة .

( ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ) إشارة إلى ما فصل من الأحكام ، وإنما أفرد مع كون المذكور قبله جمعا ، حملا على معنى الجمع بتأويله بالفريق وغيره ، والمعنى أن المؤمن هو الذي ينتفع بالوعظ دون غيره .

( ذلكم ) محمول على لفظ الجمع ، خالف سبحانه ما بين الإشارتين امتنانا ( أزكى لكم ) أنمى وانفع ( و اطهر لكم ) من الأدناس وأطيب عند الله لما يخشى على الزوجين من الريبة بسبب العلاقة بينهما ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) ما لكم فيه الصلاح ، وقال الضحاك يعلم من حب كل واحد منهما لصاحبه ما لا تعلم أنت أيها الولي .

قيل : سبب نزولها أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها فأراد أن يراجعها فمنعها معقل كما رواه الحاكم ، واسمها جميلة واسم زوجها عاصم بن عدي ، فلما نزلت هذه الآية كفر عن يمينه وأنكحها إياه وتمام القصة في البخاري{[229]} .


[229]:روى البخاري عن الحسن أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها حتى انقضت عدتها فخطبها فأبى معقل فنزلت (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجا ). وأخرجه أيضا الدارقطني عن الحسن.