الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحۡنَ أَزۡوَٰجَهُنَّ إِذَا تَرَٰضَوۡاْ بَيۡنَهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ مِنكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ ذَٰلِكُمۡ أَزۡكَىٰ لَكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (232)

{ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } فلا تمنعوهنّ ، والعَضْل : المنع من التزوّج ، وأنشد الأخفش :

ونحن عضلنا بالرماح لسانا *** وما فيكم عن حرمة له عاضل

وأنشد :

وأن قصائدي لك فاصطنعني *** كرائم قد عضلن عن النكاح

وأصل العضل الضيق والشدّة ، يقال : عضلت المرأة والشاة إذا تشبث ولدهما في بطنهما فضاق عليه الخروج ، وعضلت الدجاجة إذا تشبّث البيض فيها ، وعضل الفضاء بالجُلَّس إذا ضاق عليهم لكثرتهم ، ويقال : ذا عضال إذا ضاق علاجه فلا يطاق ، ويقال : عضل الأمر إذا اشتدّ وضاق .

قال عمر ( رضي الله عنه ) : أعضل أهل الكوفة لا يرضون بأمير ولا يرضاهم أمير ، وقال أوس بن حجر :

وليس أخوك الدائم العهد بالذي *** يذمّك إن ولّى ويرضيك مقبلا

ولكنّه النائي إذا كنت آمناً *** وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا

قال طاووس : لقد وردت عضل أقضية ما قام بها إلاّ ابن عباس ، وكل مشكل عند العرب معضل ومنه قول الشافعي :

إذا المعضلات بعدن عني *** كشفت حقائقها بالنظر

{ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } الأوّل بنكاح جديد { إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ } بعقد حلال ومهر جائز ، ونظم الآية : فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ بالمعروف إذا تراضوا بينهم ، وفي هذه الآية دليل قول من قال : لا نكاح إلاّ بولي لأنه تعالى خاطب الأولياء في التزويج ، ولو كان للمرأة إنكاح نفسها لم يكن هناك عضل ولا لنهي الله الأولياء عن العضل معنى ، يدلّ عليه ما روى أبو بردة عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا نكاح إلاّ بولي " . { ذلِكَ } أي ذلك الذي ذكرت من النهي { يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } وإنما قال ذلك موحداً والخطاب للأولياء ؛ لأنّ الأصل في مخاطبة الجمع ذلكم ثم كثر ذلك حتى توهّموا أنّ الكاف من نفس الحرف ، وليس بكاف الخطاب ، فقالوا ذلك ، وإذا قالوا هذا كانت الكاف موحدة منصوبة في الآيتين والجمع والمذكر والمؤنث .

وقيل : ها هنا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فلذلك وحَّده ثم رجع إلى خطاب المؤمنين ، فقال عزّ من قائل { ذلِكُمْ أَزْكَى } خيرٌ وأفضل { لَكُمْ وَأَطْهَرُ } لقلوبكم من الريبة وذلك أنهما إذا كان في نفس كل واحد منهما علاقة حبّ لم يؤمن بأن يتجاوز ذلك إلى غير ما أحلّ الله لهما ، ولم يؤمن من أوليائهما إن سبق إلى قلوبهم منهما لعلّهما أن يكونا بريئين من ذلك فيأثمون . { وَاللَّهُ يَعْلَمُ } من خبر كل واحد منهما لصاحبه { وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } .