التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحۡنَ أَزۡوَٰجَهُنَّ إِذَا تَرَٰضَوۡاْ بَيۡنَهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ مِنكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ ذَٰلِكُمۡ أَزۡكَىٰ لَكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (232)

قوله تعالى : ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) .

سبب نزل هذه الآية هو معقل بن يسار . فقد ذكر أنه زوّج أخته رجلا من المسلمين على عهد رسول الله ( ص ) فكانت عنده ما كانت ، ثم طلقها تطليقه لم يراجعها حتى انقضت عدّتها فهويها وهويته ثم خطبها مع الخُطاب فقال ، له : يا لكع ابن لكع أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها والله لا ترجع إليك أبدا ، فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها فأنزل الله الآية . وعلى هذا إذا طلق الرحل زوجته فانقضت عدتها وبانت ثم تذكرها من بعد ذلك وحنّ إليها وأراد أن ينكحها من جديد فليس لأولياء المرأة المطلقة أن يعضلوها عن ذلك . والعضل معناه المنع أو الحبس . فإذا كان الزوجان المتفارقان قد مال كل منهما للأخر بإخلاص فتراضيا بينهما وأراد أن يعاودا العيش معا في حياة زوجية مستأنفة راضية فلا يحل لأحد أن يمنعهما من ذلك .

وقوله : ( ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ) يراد بالإشارة العضل أي أن الأمر من الله بعدم منع المطلقات من الرجوع إلى أزواجهن بعد تراض منهم- يتعظ به ويستجيب له من الناس من كان ذا إيمان بالله ، فيسارع إلى الاستجابة لأمره ، والامتثال لما أوجب وشرع ، ثم كان ذا إيمان باليوم الآخر فهو دائم الخوف من الله فيحسب للقائه في اليوم الموعود كل حساب .

وقوله : ( ذلكم أزكى لكم وأطهر ) اسم الإشارة في محل رفع مبتدأ . والميم للجمع . ( أزكى ) خبر مرفوع بضمة مقدرة . وذلك أمر يدركه الحس المؤمن والضمير السليم . وهو أن إرجاع المطلقات إلى أزواجهن إذا تراضوا فيما بينهم بالمعروف وعدم عضلهن عن ذلك لهو أنقى وأطهر للنفس وأبعد عن مواطن الحيف الناشئ عن العضل المتعمد .

قوله : ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) وهي حقيقة ناصعة نصوع الشمس ينكرها غير جاحد جهول . إن الله عنده علم الأشياء جميعا فضلا عن علمه الأكمل بموطن الحق والصواب ، لكن الناس لا يعلمون من حقائق الحياة وزاخر المعلومات فيها إلا قليلا ، حتى إنهم إذا علموا فلا يجاوز علمهم حد التخمين والظن إلا أن يعلمهم الله . ومن جملة ذلك هنا أن الله أعلم بما في قلب المطلقة من حب لزوجها المطلق ومن معاودة الحنين إليه ، وكذا الزوج ، ربما عاود الحب قلبه من جديد بعد أن ذكرها عقب الطلاق والعدة فتجدد حبها في قلبه ، فالخير الذي لا شك فيه أن يتراجعا بعد عقد وصداق بدلا من عضلهما من ذلك ؛ لما يحتمله العضل من احتمالات التلاقي المريب غير المشروع ، لذلك قال : ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) .