غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحۡنَ أَزۡوَٰجَهُنَّ إِذَا تَرَٰضَوۡاْ بَيۡنَهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ مِنكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ ذَٰلِكُمۡ أَزۡكَىٰ لَكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (232)

228

الثاني : وهو حكم المرأة المطلقة بعد انقضاء العدة قوله عز من قائل { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن } بلوغ الأجل ههنا على الحقيقة . عن الشافعي : دل سياق الكلامين على افتراق البلوغين { فلا تعضلوهن } لا تحبسوهن ولا تضيقوا عليهن . وأصل العضل الضيق ومنه عضلت الدجاجة ، إذا نشب بيضها فلم يخرج ، وعضلت الأرض بالجيش إذا ضاقت بهم لكثرتهم ، وأعضل الدواء الأطباء إذا أعياهم ، والعضلة اللحمة المتجمعة المكتنزة في عصبة . والخطاب للأزواج الذين يمنعون نساءهم بعد انقضاء العدة ظلماً وقسراً ولحمية الجاهلية من أن ينكحن أزواجهن الذين يرغبن فيهم ويصلحون لهن إذا تراضوا - أي الرجال والنساء - تراضياً واقعاً بينهم بالمعروف بما يحسن في الدين والمروءة من الشرائط كالعقد الحلال والمهر الجائز والشهود والعدول . وقيل : بمهر المثل وفرعوا عليه مسألة فقهية توافق مذهب أبي حنيفة وهي : أنها إذا زوجت نفسها بأقل من مهر مثلها فالنكاح صحيح لكن للولي أن يعترض عليها بسبب النقصان عن المهر دفعاً للشين عن الأولياء ولأن نساء العشيرة يتضررن بذلك فقد يعتبر مهورهن بمهرها . وزعم كثير من المفسرين أن الخطاب في قوله { فلا تعضلوهن } للأولياء لما روى البخاري في صحيحه أن معقل بن يسار قال : كانت لي أخت تخطب إلي وأمنعها من الناس . فأتاني ابن عم لي فأنكحتها إياه فاصطحبا ما شاء الله ثم طلقها طلاقاً له رجعة ، ثم تركها حتى انقضت عدتها . فلما خطبت إلي أتاني يخطبها مع الخطاب فقلت له : خطبت إلي فمنعتها الناس وآثرتك بها وزوجتك ثم طلقتها طلاقاً لك رجعة ، ثم تركتها حتى انقضت عدتها ، فلما خطبت إلي أتيتني تخطبها مع الخطاب ، والله لا أنكحتهكها أبداً . قال : ففيَّ نزلت هذه الآية فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه . وعن مجاهد والسدي أن جابر بن عبد الله كانت له بنت عم فطلقها زوجها وأراد رجعتها بعد العدة فأبى جابر فنزلت . وأجيب بأن رعاية نظم كلام الله أولى من محافظة خبر الواحد ، ولا يخفى تفكك النظم لو قيل : " وإذا طلقتم النساء أيها الأزواج فلا تعضلوهن أيها الأولياء " لأنه لا يبقى بين الشرط والجزاء مناسبة ، قالوا : ليس بعد انقضاء العدة قدرة للزوج على عضل المرأة . والجواب أنه قد يقدر على الظلم وقد يجعد الطلاق أو يدعي أنه كان راجعها في العدة ، أو يدس إلى من يخطبها بالوعيد والتهديد ، أو ينسبها إلى أمور تنفر الناس عنها . قالوا : { أن ينكحن أزواجهن } يدل على أن الأولياء كانوا يمنعونهن من العود إلى أولئك الذين كانوا أزواجاً لهن . والجواب أن العرب قد تسمي الشيء بما يؤل إليه . فالمراد من يردن أن يتزوّجنهم فيكونوا أزواجاً لهن . وقيل : الوجه أن يكون خطاباً للناس أي لا يوجد فيما بينكم عضل ، لأنه إذا وجد بينهم وهم راضون كانوا في حكم العاضلين . ثم إن الشافعي تمسك بالآية في أن النكاح لا يجوز إلا بولي ، لأنه لو جاز للمرأة أن تزوج نفسها أو توكل من يزوجها لما كان الولي قادراً على عضلها من النكاح ، وهذا مبني على أن الخطاب في { لا تعضلوهن } للأولياء وفيه ما فيه . ولو سلم فلم يجوز أن يكون الاستبداد الشرعي حاصلاً لهن ، ولكن يمنعها الولي من بعض الجهات التي قلنا في الزوج . وأيضاً فثبوت العضل في حق الولي ممتنع لأنه مهما عضل انعزل ، وإذا انعزل لا يبقى لعضله أثر . وتمسك أبو حنيفة بقوله تعالى { أن ينكحن أزواجهن } على أن النكاح بغير ولي جائز ، وذلك أنه تعالى أضاف النكاح إليها إضافة الفعل إلى فاعله والتصرف إلى مباشره ، ونهى الولي عن منعها من ذلك . ولو كان ذلك التصرف فاسداً لما نهى الولي عن منعها منه ، ويتأكد هذا النص بقوله { حتى تنكح زوجاً غيره } وأجيب بأن الفعل كما يضاف إلى المباشر فقد يضاف أيضاً إلى المتسبب مثل " بنى الأمير داراً " وإنما ذهبنا إلى هذا وإن كان مجازاً لدلالة الحديث على بطلان هذا النكاح هذا . وأما قوله { ذلك يوعظ به } فالخطاب فيه إما للرسول أو لكل أحد على الانفراد كما أن الخطاب في قوله في سورة الطلاق { ذلكم يوعظ به من كان } [ الطلاق : 2 ] للمكلفين مجموعين . وقوله { من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر } تخصيص لهم بالوعظ لأنهم هم المنتفعون بذلك . ومن استدل بهذا على أن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة يكذبه التكاليف العامة كقوله { ولله على الناس حج البيت } وأيضاً لا يلزم من تخصيص العظة بالمؤمنين تخصيص التكليف بهم { ذلكم أزكى لكم } أي أنمى وهو إشارة إلى استحقاق الثواب الدائم ، وأطهر أي من أدناس الآثام { والله يعلم وأنتم لا تعلمون } لأن علمه تعالى فعلي كامل وعلمنا انفعالي ناقص .

فقد تخفى المصلحة والعاقبة علينا ، أو تشتبه المصلحة بالمفسدة فلا صلاح للمكلف إلا في طاعة علام الغيوب ليحوز سعادة الدارين والله ولي التوفيق .

/خ232