وسئل سفيان بن عيينة عن قوله عز وجل { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } . قال : إلا يسرها ولم يكلفها فوق طاقتها ، وهذا قول حسن لأن الوسع ما دون الطاقة .
قوله تعالى : { لها ما كسبت } . أي للنفس ما عملت من الخير ، لها أجره وثوابه .
قوله تعالى : { وعليها ما اكتسبت } . من الشر وعليها وزره .
قوله تعالى : { ربنا لا تؤاخذنا } . أي لا تعاقبنا .
قوله تعالى : { إن نسينا } . جعله بعضهم من النسيان الذي هو السهو ، قال الكلبي : كانت بنو إسرائيل إذا نسوا شيئاً مما أمروا به ، أو أخطأوا عجلت لهم العقوبة ، فحرم عليهم من شيء من مطعم أو مشرب على حسب ذلك الذنب ، فأمر الله المؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك ، وقيل هو من النسيان الذي هو الترك كقوله تعالى : ( نسوا الله فنسيهم ) .
قوله تعالى : { أو أخطأنا } . قيل معناه القصد والعمد ، يقال : أخطأ فلان إذا تعمد ، قال الله تعالى ( إن قتلهم كان خطأً كبيراً ) قال عطاء : { إن نسينا أو أخطأنا } يعني : أن جهلنا أو تعمدنا ، وجعله الأكثرون من الخطأ الذي هو الجهل والسهو ، لأن ما كان عمداً من الذنب فغير معفو عنه بل هو في مشيئة الله ، والخطأ معفو عنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .
قوله تعالى : { ربنا ولا تحمل علينا إصراً } . أي عهداً ثقيلاً وميثاقا لا نستطيع القيام به فتعذبنا بنقضه وتركه .
قوله تعالى : { كما حملته على الذين من قبلنا } . يعني اليهود ، فلم يقوموا به فعذبتهم ، هذا قول مجاهد وعطاء وقتادة والسدي والكلبي وجماعة يدل عليه قوله تعالى ( وأخذتم على ذلكم إصري ) أي عهدي ، وقيل معناه : لا تشدد ولا تغلظ الأمر علينا كما شددت على من قبلنا من اليهود ، وذلك أن الله فرض عليهم خمسين صلاة وأمرهم بأداء ربع أموالهم في الزكاة ، ومن أصاب ثوبه نجاسة قطعها ، ومن أصاب ذنباً أصبح وذنبه مكتوب على بابه ، ونحوها من الأثقال والأغلال ، وهذا يعني قول عثمان وعطاء ومالك بن أنس وأبي عبيدة وجماعة يدل عليه قوله تعالى : " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم " وقيل : الإصر ذنب لا توبة له ، معناه أعصمنا من مثله ، والأصل في العقل والإحكام .
قوله تعالى : { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } . أي لا تكلفنا من الأعمال مالا نطيقه ، وقيل هو حديث النفس والوسوسة . حكي عن مكحول أنه قال : هو الغلمة ، قيل : الغلمة : شدة الشهوة ، وعن إبراهيم قال : هو الحب ، وعن محمد بن عبد الوهاب قال : العشق ، وقال ابن جريج : هو مسخ القردة والخنازير وقيل هو شماتة الأعداء ، وقيل : هو الفرقة والقطيعة نعوذ بالله منها .
قوله تعالى : { واعف عنا } . أي تجاوز وامح عنا ذنوبنا .
قوله تعالى : { واغفر لنا } . استر علينا ذنوبنا ولا تفضحنا .
قوله تعالى : { وارحمنا } . فإننا لا ننال العمل إلا بطاعتك ، ولا نترك معصيتك إلا برحمتك .
قوله تعالى : { أنت مولانا } . ناصرنا وحافظنا وولينا .
قوله تعالى : { فانصرنا على القوم الكافرين } . روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل ( غفرانك ربنا ) قال الله تعالى قد غفرت لكم وفي قوله ( لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) قال : لا أوأخذكم ( ربنا ولا تحمل علينا إصراً ) قال : لا أحمل عليكم إصراً { ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } قال : لا أحملكم { واعف عنا } إلى آخره قال قد عفوت عنكم ، وغفرت لكم ، ورحمتكم ونصرتكم على القوم الكافرين . وكان معاذ بن جبل إذا ختم سورة البقرة قال : آمين .
{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } إلا ما تسعه قدرتها فضلا ورحمة ، أو ما دون مدى طاقتها بحيث يتسع فيه طوقها ويتيسر عليها كقوله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وهو يدل على عدم وقوع التكليف بالمحال ولا يدل على امتناعه . { لها ما كسبت } من خير . { وعليها ما اكتسبت } من شر لا ينتفع بطاعتها ولا يتضرر بمعاصيها غيرها ، وتخصيص الكسب بالخير والاكتساب بالشر لأن الاكتساب فيه احتمال والشر تشتهيه النفس وتنجذب إليه فكانت أجد في تحصيله وأعمل بخلاف الخير . { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } أي لا تؤاخذنا بما أدى بنا إلى نسيان أو خطأ من تفريط وقلة مبالاة ، أو بأنفسهما إذ لا تمتنع المؤاخذة بهما عقلا فإن الذنوب كالسموم فكما أن تناولها يؤدي إلى الهلاك -وإن كان خطأ- فتعاطي الذنوب لا يبعد أن يفضي إلى العقاب وإن لم تكن عزيمة ، لكنه تعالى وعد التجاوز عنه رحمة وفضلا فيجوز أن يدعو الإنسان به استدامة واعتدادا بالنعمة فيه . ويؤيد ذلك مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " . { ربنا ولا تحمل علينا إصرا } عبأ ثقيلا يأصر صاحبه ، أي يحبسه في مكانه . يريد به التكاليف الشاقة . وقرئ { ولا تحمل } بالتشديد للمبالغة . { كما حملته على الذين من قبلنا } حملا مثل حملك إياه على { من قبلنا } ، أو مثل الذي حملته إياهم فيكون صفة لإصرا ، والمراد به ما كلف به بنو إسرائيل من قتل الأنفس ، وقطع موضع النجاسة ، وخمسين صلاة في اليوم والليلة ، وصرف ربع المال للزكاة . أو ما أصابهم من الشدائد والمحن . { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } من البلاء والعقوبة . أو من التكاليف التي لا تفي بها الطاقة البشرية وهو يدل على جواز التكليف بما لا يطاق وإلا لما سئل التخلص منه ، والتشديد ههنا لتعدية الفعل إلى المفعول الثاني . { واعف عنا } وامح ذنوبنا . { واغفر لنا } واستر عيوبنا ولا تفضحنا بالمؤاخذة . { وارحمنا } وتعطف بنا وتفضل علينا . { أنت مولانا } سيدنا . { فانصرنا على القوم الكافرين } فإن من حق المولى أن ينصر مواليه على الأعداء ، أو المراد به عامة الكفرة .
روي أنه عليه الصلاة والسلام لما دعا بهذه الدعوات قيل له عند كل كلمة فعلت . وعنه عليه السلام " أنزل الله تعالى آيتين من كنوز الجنة . كتبها الرحمن بيده قبل أن يخلق الخلق بألفي سنة ، من قرأهما بعد العشاء الأخيرة أجزأتاه عن قيام الليل " . وعنه عليه الصلاة والسلام : " من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه " . وهو يرد قول من استكره أن يقال سورة البقرة ، وقال : ينبغي أن يقال السورة التي تذكر فيها البقرة ، كما قال عليه الصلاة والسلام " السورة التي تذكر فيها البقرة فسطاط القرآن فتعلموها ، فإن تعلمها بركة وتركها حسرة ، ولن يستطيعها البطلة قيل : يا رسول الله وما البطلة ؟ قال : السحرة " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.