جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَيۡنَآ إِصۡرٗا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَآۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (286)

{ لاَ يُكَلِّفُ {[586]} اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } ما يسعه قدرتها ويتسع فيه طوقها ، لا ما لا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها ، { لَهَا مَا كَسَبَتْ } : من خير ، { وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } : من شر ، ولما كان الشر مما تشتهيه النفس ، وهي أجدّ وأعمل فيه ، جعلت لذلك مكتسبة فيه بخلاف الخير ، فإنها لما لم تكن فيه كذلك وصفت بما ليس فيه الاعتمال ، فقال : كسبت ، { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا {[587]} أَوْ أَخْطَأْنَا } سألوا {[588]} الله التجاوز عنهما فأجاب ، ففي {[589]} الحديث " وضع عن أمتي الخطأ والنسيان " ، وأما دعاؤنا حينئذ بهما ، فيمكن أن يكون لإدامة الوعد ، وأن يجعلنا ممن وعد له التجاوز عنهما ، { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً } : تكاليف شاقة ، تأصر صاحبه ، تحبسه في مكانه ، وإن أطقناها ، { كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } ، مثل الذي حمّلْتَه إياهم فيكون صفة إصرا وهو التكاليف الشاقة وما أصابهم من المحن ، { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } : من المصائب ، والتشديد هاهنا لتعديته إلى مفعول ثان ، { وَاعْفُ عَنَّا } : امح عنا ذنوبنا ، { وَاغْفِرْ لَنَا } : واستر عيوبنا ، { وَارْحَمْنَا } في الدنيا ، فلا توقعنا في ذنب {[590]} آخر ، { أَنتَ مَوْلاَنَا } : ولينا وناصرنا ، { فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } ، وفي الحديث : " في آخر كل دعوة " {[591]} من هذه الدعوات ، قال الله تعالى : فعلت ونعم " ، وفي الحديث ، " فضلنا على الناس بثلاث : أوتيت هؤلاء الآيات من آخر سورة البقرة {[592]} من بيت {[593]} تحت العرش ، لم يُعطَها أحدٌ قَبلي ولم يُعْطَها أحدٌ بَعدي {[594]} .

والحمدل لله حق {[595]} حمده .


[586]:ولما أخبر سبحانه عن عقائدهم وتضرعهم في المسألة بحيث يبان منه رضاؤه، استأنف بخبر معه، أنه سبحانه لا يكلف عباده من أفعال القلوب وأفعال الجوارح إلا بما هو وسع المكلف، "لا يكلف" الآية/12
[587]:قيل الخطأ: والنسيان قلما يتفقان، إلا عن تقصير سابق، فالمراد من الدعاء عدم المؤاخذة به/12 منه
[588]:ودعاؤنا بعد وضع الخطأ والنسيان عنا، كالدعاء بألا تؤاخذنا بتفريط، أو أفعال تفضي إلى خطأ أو نسيان، أو الغرض من الدعاء تذكر الفضل بالعفو عنهما والتذلل بين يديه/12 وجيز
[589]:رواه بان ماجة في سننه وابن حبان في صحيحه، [وكذا البيهقي بسند صحيح، وانظر صحيح الجامع (7110)، وراجع الإرواء (ح 82)] وفي مسلم عن أبي هريرة وابن عباس "قال الله: قد فعلت"/12 منه
[590]:عن بعض السلف، المذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء: أن يعفو الله عنه، وأن يستره عن عباده فلا يفضحه، وأن يعصمه فلا يوقعه في نظيره/12 منه
[591]:الظاهر أن دعاءه عليه السلام بهذه الدعوات قراءته بهذه الآية، ويحتمل أن يكون قد دعا بها، فنزلت الآية حكاية/12 منه
[592]:وفي مسلم أعطي الصلوات الخمس وأعطي خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا/12 منه
[593]:كناية وتمثيل لما فيه من كثرة الخير والبركة والثواب/12 منه
[594]:(*) أخرجه بنحوه أحمد الطبراني والبيهقي عن حذيفة مرفوعا بلفظ: "أعطيت هذا الآيات من آخر سورة البقرة من تحت العرش لم يعطها نبي قبلي" وانظر صحيح الجامع (1060)
[595]:روى ابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال: لا أدري أن أحدا يعقل لغة الإسلام ينام، حتى يقرأ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة، فإنها من كنز تحت العرش/12