معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي  
{لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَيۡنَآ إِصۡرٗا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَآۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (286)

وسئل سفيان بن عيينة عن قوله عز وجل { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } . قال : إلا يسرها ولم يكلفها فوق طاقتها ، وهذا قول حسن لأن الوسع ما دون الطاقة .

قوله تعالى : { لها ما كسبت } . أي للنفس ما عملت من الخير ، لها أجره وثوابه .

قوله تعالى : { وعليها ما اكتسبت } . من الشر وعليها وزره .

قوله تعالى : { ربنا لا تؤاخذنا } . أي لا تعاقبنا .

قوله تعالى : { إن نسينا } . جعله بعضهم من النسيان الذي هو السهو ، قال الكلبي : كانت بنو إسرائيل إذا نسوا شيئاً مما أمروا به ، أو أخطأوا عجلت لهم العقوبة ، فحرم عليهم من شيء من مطعم أو مشرب على حسب ذلك الذنب ، فأمر الله المؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك ، وقيل هو من النسيان الذي هو الترك كقوله تعالى : ( نسوا الله فنسيهم ) .

قوله تعالى : { أو أخطأنا } . قيل معناه القصد والعمد ، يقال : أخطأ فلان إذا تعمد ، قال الله تعالى ( إن قتلهم كان خطأً كبيراً ) قال عطاء : { إن نسينا أو أخطأنا } يعني : أن جهلنا أو تعمدنا ، وجعله الأكثرون من الخطأ الذي هو الجهل والسهو ، لأن ما كان عمداً من الذنب فغير معفو عنه بل هو في مشيئة الله ، والخطأ معفو عنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .

قوله تعالى : { ربنا ولا تحمل علينا إصراً } . أي عهداً ثقيلاً وميثاقا لا نستطيع القيام به فتعذبنا بنقضه وتركه .

قوله تعالى : { كما حملته على الذين من قبلنا } . يعني اليهود ، فلم يقوموا به فعذبتهم ، هذا قول مجاهد وعطاء وقتادة والسدي والكلبي وجماعة يدل عليه قوله تعالى ( وأخذتم على ذلكم إصري ) أي عهدي ، وقيل معناه : لا تشدد ولا تغلظ الأمر علينا كما شددت على من قبلنا من اليهود ، وذلك أن الله فرض عليهم خمسين صلاة وأمرهم بأداء ربع أموالهم في الزكاة ، ومن أصاب ثوبه نجاسة قطعها ، ومن أصاب ذنباً أصبح وذنبه مكتوب على بابه ، ونحوها من الأثقال والأغلال ، وهذا يعني قول عثمان وعطاء ومالك بن أنس وأبي عبيدة وجماعة يدل عليه قوله تعالى : " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم " وقيل : الإصر ذنب لا توبة له ، معناه أعصمنا من مثله ، والأصل في العقل والإحكام .

قوله تعالى : { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } . أي لا تكلفنا من الأعمال مالا نطيقه ، وقيل هو حديث النفس والوسوسة . حكي عن مكحول أنه قال : هو الغلمة ، قيل : الغلمة : شدة الشهوة ، وعن إبراهيم قال : هو الحب ، وعن محمد بن عبد الوهاب قال : العشق ، وقال ابن جريج : هو مسخ القردة والخنازير وقيل هو شماتة الأعداء ، وقيل : هو الفرقة والقطيعة نعوذ بالله منها .

قوله تعالى : { واعف عنا } . أي تجاوز وامح عنا ذنوبنا .

قوله تعالى : { واغفر لنا } . استر علينا ذنوبنا ولا تفضحنا .

قوله تعالى : { وارحمنا } . فإننا لا ننال العمل إلا بطاعتك ، ولا نترك معصيتك إلا برحمتك .

قوله تعالى : { أنت مولانا } . ناصرنا وحافظنا وولينا .

قوله تعالى : { فانصرنا على القوم الكافرين } . روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل ( غفرانك ربنا ) قال الله تعالى قد غفرت لكم وفي قوله ( لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) قال : لا أوأخذكم ( ربنا ولا تحمل علينا إصراً ) قال : لا أحمل عليكم إصراً { ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } قال : لا أحملكم { واعف عنا } إلى آخره قال قد عفوت عنكم ، وغفرت لكم ، ورحمتكم ونصرتكم على القوم الكافرين . وكان معاذ بن جبل إذا ختم سورة البقرة قال : آمين .

/خ286