قوله عز وجل : { لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } يعني طاقتها ، وفيه وجهان :
أحدهما : وعدٌ من الله لرسوله وللمؤمنين بالتفضل على عباده ألاَّ يكلف نفساً إلا وسعها .
والثاني : أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين عن الله ، على وجه الثناء عليه ، بأنه لا يكلف نفساً إلا وسعها .
ثم قال : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } يعني لها ما كسبت من الحسنات ، وعليها ما اكتسبت يعني من المعاصي . وفي كسبت واكتسبت وجهان :
أحدهما : أن لفظهما مختلف ومعناهما واحد .
والثاني : أن كسبت مستعمل في الخير خاصة ، واكتسبت مستعمل في الشر خاصّة .
{ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينآ } قال الحسن : معناه : قولوا ربنا لا تؤاخذنا . { إِن نَّسِينَا } فيه تأويلان :
أحدهما : يعني إن تناسينا أمرك .
والثاني : تركنا ، والنسيان : بمعنى الترك كقوله تعالى :
{ نَسُواْ اللهَ فَنَسِيَهُمْ }{[477]} ، قاله قطرب .
{ أَوْ أَخْطَأْنَا } فيه تأويلان :
أحدهما : ما تأولوه{[478]} من المعاصي بالشبهات .
والثاني : ما عمدوه من المعاصي التي هي خطأ تخالف الصواب .
وقد فَرَّقَ أهل اللسان بين " أخطأ " وخطىء ، فقالوا : " أخطأ " يكون على جهة الإِثم وغير الإِثم ، وخطىء : لا يكون إلا على جهة الإِثم ، ومنه قول الشاعر [ عبيد بن الأبرص ] :
والناس يَلْحُون الأَميرَ إذا هُمُ *** خطئوا الصوابَ ولا يُلام المرْشدُ
{ رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً } فيه أربعة تأويلات :
أحدها : إصراً أي عهداً نعجز عن القيام به ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة .
الثاني : أي لا تمسخنا قردة وخنازير ، وهذا قول عطاء .
الثالث : أنه الذنب الذي ليس فيه توبة ولا كفارة ، قاله ابن زيد .
الرابع : الإِصر : الثقل العظيم ، قاله مالك ، والربيع ، قال النابغة :
يا مانع الضيم أن يغشى سراتهم *** والحامل الإِصر عنهم بعدما عرضوا{[479]}
{ كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } يعني بني إسرائيل فيما حملوه من قتل أنفسهم .
{ . . وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } فيه قولان :
أحدهما : ما لا طاقة لنا به مما كُلِّفَهُ بنو إسرائيل .
الثاني : ما لا طاقة لنا به من العذاب .
{ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا } فيه وجهان :
أحدهما : مالكنا{[480]} .
{ فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } روى عطاء بن السائب عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : { ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ } فلما انتهى [ النبي ] إلى قوله تعالى : { غُفْرَانَكَ رَبِّنَا } قال الله تعالى : قد غفرت لكم ، فلما قرأ : { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَو أَخْطَأْنَا } قال الله تعالى : لا{[481]} أؤاخذكم ، فلما قرأ : { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَينَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } قال الله تعالى : لا أحمل عليكم .
فلما قرأ : { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمَّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } قال الله تعالى : لا أحملكم . فلما قرأ : { وَاعْفُ عَنَّا } قال الله تعالى : قد عفوت عنكم . فلما قرأ : { وَاغْفِرْ لَنَا } قال الله تعالى : قد غفرت لكم . فلما قرأ : { وَارْحَمْنَا } قال الله تعالى : قدر رحمتكم . فلما قرأ : { فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } قال الله تعالى : قد نصرتكم .
وروى مرثد بن عبد الله عن عقبة بن عامر الجهني قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اقْرَؤُوا هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مِنْ خَاتِمَةِ البَقَرَةِ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَعْطَانِيهَا مِن تَحتِ العَرْشِ " {[482]} .
وروى أبو سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السُّورةُ الَّتِي تُذْكَرُ فِيهَا البَقَرةُ فُسْطَاطُ القُرْآنِ ، فَتَعَلَّمُوهَا فَإِنَّ تَعلِيمَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ ، وَلاَ يَسْتَطِيعُهَا البَطَلَةُ قِيلَ : وَمَنِ البَطَلَةُ ؟ قَالَ : السَحَرَةُ " {[7]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.