معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَـٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (157)

156

قوله تعالى : { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي } ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم . قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو نبيكم ، كان أمياً لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ) . وهو منسوب إلى الأم ، أي هو على ما ولدته أمه . وقيل : هو منسوب إلى أمته ، أصله أمتي ، سقطت التاء في النسبة كما سقطت في المكي والمدني ، وقيل : هو منسوب إلى أم القرى وهي مكة .

قوله تعالى : { الذي يجدونه } أي : يجدون صفته ونعته ونبوته .

قوله تعالى : { مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل } . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن سنان ، حدثنا فليح ، حدثنا هلال ، عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ، قال : أجل والله ، إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ، وحرزاً للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا سخاب في الأسواق ، ولا يدفع بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ، بأن يقولوا : لا إله إلا الله ، ويفتح به أعيناً عمياً ، وآذاناً صماً ، وقلوباً غلفاً ) . تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة .

وقال سعيد عن هلال عن عطاء عن ابن سلام ، أخبرنا الإمام الحسين بن محمد القاضي ، أنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن هارون الطيسفوني ، أنا أبو الحسن محمد بن أحمد الترابي ، أنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر ابن بسطام ، أنا أبو الحسن أحمد بن سيار القرشي ، حدثنا عبد الله ابن عثمان ، عن أبي حمزة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن عبد الله بن ضمرة عن كعب قال : إني أجد في التوراة مكتوباً : محمد رسول الله لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، أمته الحمادون ، يحمدون الله في كل منزلة ، ويكبرونه على كل نجد ، يأتزرون على أنصافهم ، ويوضئون أطرافهم ، صفهم في الصلاة وصفهم في القتال سواء ، مناديهم ينادي في جو السماء ، لهم في جوف الليل دوي النحل ، مولده بمكة ، ومهاجره بطابة ، وملكه بالشام .

قوله تعالى : { يأمرهم بالمعروف } أي : بالإيمان .

قوله تعالى : { وينهاهم عن المنكر } أي : عن الشرك ، وقيل : المعروف : الشريعة والسنة ، والمنكر : مالا يعرف في شريعة ولا سنة ، وقال عطاء : { يأمرهم بالمعروف } بخلع الأنداد ، ومكارم الأخلاق ، وصلة الأرحام ، { وينهاهم عن المنكر } : عن عبادة الأوثان ، وقطع الأرحام .

قوله تعالى : { ويحل لهم الطيبات } يعني : ما كانوا يحرمونه في الجاهلية من البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام .

قوله تعالى : { ويحرم عليهم الخبائث } يعني : الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، والزنا وغيرها من المحرمات .

قوله تعالى : { ويضع عنهم إصرهم } ، قرأ ابن عامر ( آصارهم ) بالجمع ، والإصر : كل ما يثقل على الإنسان من قول أو فعل ، قال ابن عباس ، والحسن ، والضحاك ، والسدي ، ومجاهد ، يعني العهد الثقيل ، كان أخذ على بني إسرائيل بالعمل بما في التوراة . وقال قتادة : يعني التشديد الذي كان عليهم في الدين .

قوله تعالى : { والأغلال } ، يعني : الأثقال .

قوله تعالى : { التي كانت عليهم } ، وذلك مثل : قتل النفس في التوراة ، وقطع الأعضاء الخاطئة ، وقرض النجاسة عن الثوب بالمقراض ، وتعيين القصاص في القتل ، وتحريم أخذ الدية ، وترك العمل في السبت ، وأن صلاتهم لا تجوز إلا في الكنائس ، وغير ذلك من الشدائد ، شبهت بالأغلال التي تجمع اليد إلى العنق .

قوله تعالى : { فالذين آمنوا به } ، أي : بمحمد صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : { وعزروه } . وقروه .

قوله تعالى : { ونصروه } على الأعداء .

قوله تعالى : { واتبعوا النور الذي أنزل معه } . يعني : القرآن .

قوله تعالى : { أولئك هم المفلحون } .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَـٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (157)

{ الذين يتبعون الرسول النبي } مبتدأ خبره يأمرهم ، أو خبر مبتدأ تقديره هم الذين ، أو بدل من الذين يتقون بدل البعض أو الكل ، والمراد من آمن منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وإنما سماه رسولا بالإضافة إلى الله تعالى ونبيا بالإضافة إلى العباد . { الأمّيّ } الذي لا يكتب ولا يقرأ ، وصفه به تنبيها على أن كمال علمه مع حاله إحدى معجزاته . { الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل } اسما وصفة . { يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات } مما حرم عليهم كالشحوم . { ويحرّم عليهم الخبائث } كالدم ولحم الخنزير أو كالربا والرشوة . { ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } ويخفف عنهم ما كلفوا به من التكاليف الشاقة كتعيين القصاص في العمد والخطأ ، وقطع الأعضاء الخاطئة وقرض موضع النجاسة ، وأصل الإصر الثقل الذي يأصر صاحبه أي يحبسه من الحراك لثقله . وقرأ ابن عامر " آصارهم " . { فالذين آمنوا به وعزّروه } وعظموه بالتقوية . وقرئ بالتخفيف وأصله المنع ومنه التعزير . { ونصروه } لي . { واتبعوا النور الذي أُنزل معه } أي مع نبوته يعني القرآن ، وإنما سماه نورا لأنه بإعجازه ظاهر أمره مظهر غيره ، أو لأنه كاشف الحقائق مظهر لها ، ويجوز أن يكون معه متعلقا باتبعوا أي واتبعوا النور المنزل مع اتباع النبي فيكون إشارة إلى اتباع الكتاب والسنة . { أولئك هم المفلحون } الفائزون بالرحمة الأبدية ، ومضمون الآية جواب دعاء موسى صلى الله عليه وسلم .