{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ } الآية قال نوف البكالي الحميري : لما اختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقات ربه قال الله تعالى لموسى أجعل لكم في الأرض مسجداً وطهوراً تصلّون حيث أدركتكم الصلاة إلاّ عند مرحاض أو حمام أو قبر وأجعل السكينة في قلوبكم وأجعلكم تقرأون التوراة عن ظهور قلوبكم ، يقرأها الرجل منكم والمرأة والحر والعبد والصغير والكبير .
فقال ذلك موسى لقومه فقالوا : لا نريد أن نصلي في الكنائس ولا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا ، ونريد أن تكون كما كانت في التابوت ، ولا نستطيع أن نقرأ التوراة عن ظهور قلوبنا ، ولا نريد أن نقرأها إلاّ نظراً ، فقال الله { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } إلى قوله { الْمُفْلِحُونَ } فجعلها الله لهذه الأمة ، فقال موسى : رب اجعلني نبيهم ، فقال : نبيهم منهم ، قال : رب اجعلني منهم ، قال : إنك لن تدركهم ، فقال موسى : يارب أتيتك بوفد بني إسرائيل فجعلت وفادتنا لغيرنا فأنزل الله تعالى { وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ } أنفسهم { بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } فرضي موسى ، قال نوف : إلا تحمدون ربّاً حفظ غيّكم وأجزل لكم سهمكم وجعل وفادة بني إسرائيل لكم .
واختلف العلماء في معنى الأُمّي .
فقال ابن عباس : هو منكم كان أميّاً لا يكتب ولا يقرأ ولا يحاسب قال الله تعالى
{ وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } [ العنكبوت : 48 ] وقال صلى الله عليه وسلم : " إنا أُمة أُميّة لا نكتب ولا نحاسب " .
وقيل : هو منسوب إلى أُمّته كأن أصله أُمتي فسقطت التاء من النسبة كما سقطت من اليكي والمدى .
وقيل : منسوب إلى أُم القرى وهي مكّة أُم القرى { الَّذِي يَجِدُونَهُ } أي صفته ونبوّته ونعته وأمره { مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ } قال عطاء بن يسار : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله في التوراة فقال : أجل والله إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن .
{ يأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } [ الأحزاب : 45 ] وحرزاً للأُميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالاسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن أقبضه حتّى يقيم الملّة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلاّ الله فيفتح به قلوباً غلفاً وآذناً صُماً وأعيناً عمياً .
قال عطاء : ثمّ لقي كعباً فسأله عن ذلك فما اختلفا حرفاً إلاّ أن كعباً قال : بلغته قلوباً غلوفياً وآذاناً صموياً وأعيناً عموميّاً .
وروى كعب في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : مولده مكة وهجرته بطيبة وملكه بالشام وأمته الحمادون يحمدون الله على كل حال وفي كل منزلة ، يُوَضِئون أطرافهم و [ ويتورّون ] إلى [ الجهاد ] وفيهم وعاة الشمس ويصلون الصلاة حيث أدركتهم ولو على ظهر الكناسة ، صفهم في القول مثل صفهم في الصلاة ثمّ قرأ
{ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً } [ الصف : 4 ] .
وقال الواقدي : حدّثني عثمان بن الضحاك عن يزيد بن [ الهادي ] عن ثعلبة بن مالك أن عمر بن الخطاب أنه سأل أبا مالك عن صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم في التوراة وكان من علماء اليهود ، فقال : صفته في كتاب بني هرون الذي لم يغير ولم يبدّل أحد من ولد إسماعيل بن إبراهيم ومن آخر الأنبياء وهو النبي العربي الذي يأتي بدين إبراهيم الحنيف ، يأتزر على وسطه ويغسل أطرافه في [ عينيه ] حمرة وبين كتفية خاتم النبوّة مثل زر الحجلة ، ليس بالقصير ولا بالطويل ، يلبس الشملة ويجرى بالبلغة ويركب الحمار ويمشي في الأسواق ، معه حرب وقتل وسبي سيفه على عاتقه لا يبالي مَن لقي مِن الناس ، معه صلاة لو كانت في قوم نوح ما أهلكوا بالطوفان ولو كانت في عاد ما أهلكوا بالريح ولو كانت في ثمود ما أهلكوا بالصيحة .
مولده بمكّة ومنشأه بها وبدء نبوّته بها ودار هجرته يثرب بين جرّة ونخل [ وسبخة ] وهو أُمّي لا يكتب بيده ، هو بجهاد ، يحمد الله على كل شدة ورخاء ، سلطانه الشام ، صاحبه من الملائكة جبرئيل يلقى من قومه أذىً شديداً . ويحبّونه حبّاً شديداً ثمّ يدال على قومه يحصرهم حصر [ الجرين ] ، يكون له وقعات في يثرب ، منها له ومنها عليه ، ثمّ يكون له العاقبة يعدّ معه أقوام هم إلى الموت أسرع من الماء من رأس الجبل إلى أسفله ، صدورهم أناجيلهم قربانهم دماؤهم ليوث النهار ورهبان بالليل يرعب منه عدوه بمسيرة شهر ، يباشر القتال بنفسه حتّى يخرج ويكلم لا شرطة معه ولا حرس يحرسه .
{ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ } أي بالايمان { وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ } يعني الشرك ، وقيل : المعروف والشريعة والسنة والمنكر ما لا يعرف في شريعة ولا سنّة .
وقال عطاء : يأمرهم بالمعروف وبخلع الأنداد ومكارم الأخلاق وصلة الأرحام ينهاهم عن المنكر عن عبادة الأصنام وقطع الأرحام { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ } يعني الحلالات التي كانت أهل الجاهلية تحرمها : البحائر السوائب والوصائل والحوامي { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ } يعني لحم الخنزير والدم والميتة والربا وغيرها من المحرمات . { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ } ابن عباس والحسن والضحاك والسدي ومجاهد يعني : جهدهم الذي كان يأخذ على بني إسرائيل بالعمل بما في التوراة . وقال ابن زيد وقتادة : يعني الشدائد الذي كان عليهم في الدين { وَالأَغْلاَلَ } يعني الأثقال { الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } [ بما أُمروا ] به من قتل الأنفس في التوراة وقطع الأبهاء ، شبّه ذلك بالأغلال كما قال الشاعر :
فليس لعهد الدار يا أم مالك *** ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل *** سوى العدل شيئاً واستراح العواذل
فشبه حدود الإسلام وموانعه عن التخطّي إلى المحذورات بالسلاسل المحيطات بالرقاب { فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ } أعانوه ووقّروه { وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ } يعني القرآن { أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.