الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَـٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (157)

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم النخعي في قوله { النبي الأمي } قال : كان لا يكتب ولا يقرأ .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { الرسول النبي الأمي } قال : هو نبيكم صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يكتب .

وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال « خرج علينا رسول الله صلى عليه وسلم يوماً كالمودع فقال : أنا محمد النبي الأمي ، أنا محمد النبي الأمي ، أنا محمد النبي الأمي ، ولا نبي بعدي ، أوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه ، وعلمت خزنة النار وحملة العرش ، فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم ، فإذا ذهب بي فعليكم كتاب الله ، أحلوا حلاله وحرِّموا حرامه » .

وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ، وان الشهر كذا وكذا ، وضرب بيده ست مرات وقبض واحدة » .

وأخرج أبو الشيخ من طريق مجالد . قال حدثني عون بن عبد الله بن عتبة عن أبيه قال : ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى قرأ وكتب ، فذكرت هذا الحديث للشعبي فقال : صدق ، سمعت أصحابنا يقولون ذلك .

قوله تعالى : { الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإِنجيل } .

أخرج ابن سعد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإِنجيل } قال : يجدون نعته وأمره ونبوّته مكتوباً عندهم .

وأخرج ابن سعد عن قتادة قال : بلغنا أن نعت رسول الله صلى عليه وسلم في بعض الكتب محمد رسول الله ليس بفظ ولا غليظ ولا صخوب في الأسواق ، ولا يجزى بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح ، أمته الحمادون على كل حال .

وأخرج ابن سعد وأحمد عن رجل من الأعراب قال : جلبت حلوية إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغت من بيعتي قلت : لألقين هذا الرجل ولأسمعن منه . فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشيان ، فتبعتهما حتى أتيا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجمله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أنشدك بالذي أنزل التوراة ، هل تجدني في كتابك ذا صفتي ومخرجي ؟ فقال برأسه هكذا ؛ أي لا . فقال ابنه : أي والذي أنزل التوراة إن لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . فقال : أقيموا اليهودي عن أخيكم ، ثم ولي كفنه والصلاة عليه » .

وأخرج ابن سعد والبخاري وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً } [ الأحزاب : 45 ] وحرزاً للأميين ، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلا الله . ويفتح به أعينا عمياً ، وآذاناً صماً ، وقلوباً غلفاً .

وأخرج ابن سعد والدارمي في مسنده والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عبد الله بن سلام قال : صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً } [ الأحزاب : 45 ] وحرزاً للأميين ، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلا الله . ويفتح به أعينا عمياً ، وآذاناً صماً ، وقلوباً غلفا .

وأخرج الدارمي عن كعب قال : في السطر الأول : محمد رسول الله عبدي المختار ، لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ، مولده بمكة وهجرته بطيبة وملكه بالشام . وفي السطر الثاني : محمد رسوله الله أمته الحمادون ، يحمدون الله في السراء والضراء ، يحمدون الله في كل منزلة ويكبرونه على كل شرف ، رعاة الشمس يصلون الصلاة إذا جاء وقتها ولو كانوا على رأس كناسة ، ويأتزرون على أوساطهم ، ويوضئون أطرافهم ، وأصواتهم بالليل في جوّ السماء كأصوات النحل .

وأخرج ابن سعد والدارمي وابن عساكر عن أبي فروة عن ابن عباس . إنه سأل كعب الأحبار كيف قد نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ، فقال كعب : نجده محمد بن عبد الله ، يولد بمكة ويهاجر إلى طابة ، ويكون ملكه بالشام ، وليس بفحاش ولا سخاب في الأسواق ، ولا يكافئ بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ، أمته الحمادون يحمدون الله في كل سراء ، ويكبرون الله على كل نجد ، ويوضئون أطرافهم ، ويأتزرون في أوساطهم ، يصفون في صلاتهم كما يصفون في قتالهم ، دويهم في مساجدهم كدوي النحل ، يسمع مناديهم في جوّ السماء .

وأخرج أبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن أم الدرداء قالت : قلت لكعب : كيف تجدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ؟ قال : نجده موصوفاً فيها محمد رسول الله اسمه المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، وأعطى المفاتيح ليبصر الله به أعيناً عوراً ، ويسمع به آذاناً صماً ، ويقيم به السنة معوجة حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يعين المظلوم ويمنعه من أن يستضعف .

وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة وأبو نعيم في الدلائل عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « صفتي أحمد المتوكل مولده بمكة ومهاجره إلى طيبة ، ليس بفظ ولا غليظ ، يجزي بالحسنة الحسنة ولا يكافئ بالسيئة ، أمته الحمادون يأتزرون على أنصافهم ، ويوضئون أطرافهم ، أناجيلهم في صدورهم ، يصفون للصلاة كما يصفون للقتال ، قربانهم الذي يتقربون به إلى دمائهم ، رهبان بالليل ليوث بالنهار » .

وأخرج أبو نعيم عن كعب قال : إن أبي كان من أعلم الناس بما أنزل الله على موسى ، وكان لم يدخر عني شيئاً مما كان يعلم ، فلما حضره الموت دعاني فقال لي : يا بني ، إنك قد علمت أني لم أدخر عنك شيئاً مما كنت أعلمه ، إلا أني قد حبست عنك ورقتين فيهما : نبي يبعث قد أظل زمانه فكرهت أن أخبرك بذلك ، فلا آمن عليك أن يخرج بعض هؤلاء الكذابين فتطيعه ، وقد جعلتهما في هذه الكوة التي ترى وطينت عليهما ، فلا تعرضن لهما ولا تنظرن فيهما حينك هذا ، فإن الله إن يرد بك خيراً ويخرج ذلك النبي تتبعه ، ثم أنه مات فدفناه فلم يكن شيء أحب إليّ من أن أنظر في الورقتين ، ففتحت الكوة ثم استخرجت الورقتين ؟ فإذا فيهما : محمد رسول الله خاتم النبيين لا نبي بعده ، مولده بمكة ومهاجره بطيبة ، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ويجزي بالسيئة الحسنة ويعفو ويصفح ، وأمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل حال ، تذلل ألسنتهم بالتكبير وينصر نبيهم على كل من ناوأه ، يغسلون فروجهم ويأتزرون على أوساطهم ، أناجيلهم في صدروهم وتراحمهم بينهم تراحم بني الأم ، وهم أول من يدخل الجنة يوم القيامة من الأمم .

فمكث ما شاء الله ثم بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج بمكة ، فأخرت حتى استثبت ، ثم بلغني أنه توفي وأن خليفته قد قام مقامه ، وجاءتنا جنوده فقلت : لا أدخل في هذا الدين حتى أنظر سيرتهم وأعمالهم ، فلم أزل أدافع ذلك وأؤخره لأستثبت حتى قدمت علينا عمال عمر بن الخطاب ، فلما رأيت وفاءهم بالعهد وما صنع الله لهم على الأعداء علمت أنهم هم الذين كنت أنتظر ، فوالله إني لذات ليلة فوق سطحي ، فإذا رجل من المسلمين يتلو قول الله { يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً . . . } [ النساء : 47 ] الآية . فلما سمعت هذه الآية خشيت أن لا أصبح حتى يحول وجهي في قفاي ، فما كان شيء أحب إليّ من الصباح فغدوت على المسلمين .

وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل عن علي بن أبي طالب « أن يهودياً كان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم دنانير ، فتقاضى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : ما عندي ما أعطيك . قال : فإني لا أفارقك يا محمد حتى تعطيني . قال : إذن أجلس معك يا محمد فجلس معه فصلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء والغداة ، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتهددون اليهودي ويتوعدونه ، فقالوا : يا رسول الله ، يهودي يحبسك ؟ قال : منعني ربي أن أظلم معاهداً ولا غيره ، فلما ترحل النهار أسلم اليهودي وقال : شطر مالي في سبيل الله ، أما ولله ما فعلت الذي فعلت بك إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة : محمد بن عبد الله مولده بمكة ومهاجره بطيبة وملكه بالشام ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا متزين بالفحشاء ولا قوّال للخنا » .

وأخرج ابن سعد عن الزهري . « أن يهودياً قال : ما كان بقي شيء من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة إلا رأيته إلا الحلم ، وإني أسلفته ثلاثين ديناراً في ثمر إلى أجل معلوم ، فتركته حتى إذا بقي من الأجل يوم أتيته فقلت : يا محمد ، اقضني حقي فإنكم معاشر بني عبد المطلب مطل . فقال عمر : يا يهودي الخبيث ، أما والله لولا مكانه لضربت الذي فيه عيناك ، فقال رسول الله صلى عليه وسلم » غفر الله لك يا أبا حفص ، نحن كنا إلى غير هذا منك أحوج إلى أن تكون أمرتني بقضاء ما عليّ ، وهو إلى أن تكون أعنته على قضاء حقه أحوج فلم يزده جهلي عليه إلا حلماً . قال : يا يهودي ، إنما يحل حقك غداً ، ثم قال : يا أبا حفص ، أذهب به إلى الحائط الذي كان سأل أوّل يوم ، فإن رضيه فاعطه كذا وكذا صاعاً وزده لما قلت له كذا وكذا صاعاً وزده ، فإن لم يرض فاعط ذلك من حائط كذا وكذا ، فأتى بي الحائط فرضي تمره فأعطاه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أمره من الزيادة ، فلما قبض اليهودي تمره قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله ، وأنه والله ما حملني على ما رأيتني صنعت يا عمر إلا أني قد كنت رأيت في رسول الله صفته في التوراة كلها إلا الحلم ، فاختبرت حلمه اليوم فوجدته على ما وصف في التوراة ، وإني أشهدك أن هذا التمر وشطر مالي في فقراء المسلمين . فقال عمر : فقلت : أو بعضهم ؟ فقال : أو بعضهم . قال : وأسلم أهل بيت اليهودي كلهم إلا شيخ كان بان مائة سنة فعسا على الكفر « » .

وأخرج ابن سعد عن كثيِّر بن مرة قال : إن الله يقول : لقد جاءكم رسول ليس بوهن ولا كسل ، يفتح أعيناً كانت عمياً ، ويسمع آذاناً كانت صماً ، ويختن قلوباً كانت غلفاً ، ويقيم سنة كانت عوجاء ، حتى يقال : لا إله إلا الله .

وأخرج ابن سعد عن أبي هريرة قال : « أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس فقال » أخرجوا إليَّ أعلمكم فقالوا : عبد الله بن صوريا . فخلا به رسول الله صلى عليه وسلم ، فناشده بدينه وبما أنعم به عليهم ، وأطعمهم من المن والسلوى ، وظللهم به من الغمام ، أتعلم أني رسول الله ؟ قال : اللهمَّ نعم ، وإن القوم ليعرفون ما أعرف ، وإن صفتك ونعتك المبين في التوراة ولكنهم حسدوك . قال : فما يمنعك أنت ؟ قال : أكره خلاف قومي ، وعسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم » .

وأخرج الطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن الفلتان بن عاصم قال : « كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم » أتقرأ التوراة ؟ قال : نعم قال : والإِنجيل ؟ قال : نعم . فناشده هل تجدني في التوراة والإِنجيل ؟ قال : نجد نعتاً مثل نعتك ومثل هيئتك ومخرجك ، وكنا نرجو أن تكون منا ، فلما خرجت تخوَّفنا أن تكون هو أنت ، فنظرنا فإذا ليس أنت هو . قال : ولم ذاك ؟ قال : إن معه من أمته سبعين ألفاً ليس عليهم حساب ولا عذاب ، وإنما معك نفر يسير . قال : والذي نفسي بيده لأنا هو ، إنهم لأمتي وأنهم لأكثر من سبعين ألفاً وسبعين ألفاً » .

وأخرج ابن سعد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بعثت قريش النظر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط ، وغيرهما إلى يهود يثرب وقالوا لهم : سلوهم عن محمد صلى الله عليه وسلم ، فقدموا المدينة فقالوا : أتيناكم لأمر حدث فينا ، منا غلام يتيم يقول قولاً عظيماً ، يزعم أنه رسول الرحمن قالوا : صفوا لنا نعته . فوصفوا لهم قالوا : فمن تبعه منكم ؟ قالوا : سفلتنا . فضحك حبر منهم فقال : هذا النبي الذي نجد نعته ونجد قومه أشد الناس له عداوة .

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن وهب قال : كان في بني إسرائيل رجل عصى الله تعالى مائتي سنة ، ثم مات فأخذوه فألقوه على مزبلة ، فأوحى الله إلى موسى عليه السلام : أن أخرج فصلِّ عليه قال : يا رب ، بنو إسرائيل شهدوا أنه عصاك مائتي سنة ، فأوحى الله إليه : هكذا كان لأنه كان كلما نشر التوراة ، ونظر إلى اسم محمد صلى الله عليه وسلم قبَّله وضعه على عينيه وصلى عليه ، فشكرت له ذلك وغفرت ذنوبه وزوّجته سبعين حوراء .

وأخرج ابن سعد والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن عائشة رضي الله عنها قالت : إن النبي صلى الله عليه وسلم مكتوب في الإِنجيل لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة مثلها ، ولكن يعفو ويصفح .

وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال « قدم الجارود بن عبد الله على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وقال : والذي بعثك بالحق لقد وجدت وصفك في الإِنجيل ولقد بشَّر بك ابن البتول » .

وأخرج ابن سعد وابن عساكر من طريق موسى بن يعقوب الربعي عن سهل مولى خيثمة قال : قرأت في الإِنجيل نعت محمد صلى الله عليه وسلم : إنه لا قصير ولا طويل أبيض ذو طمرين ، بين كتفيه خاتم ، يكثر الاحتباء ولا يقبل الصدقة ، ويركب الحمار والبعير ، ويحتلب الشاة ويلبس قميصاً مرقوعاً ، ومن فعل ذلك فقد بريء من الكبر ، وهو يفعل ذلك وهو من ذرية إسماعيل عليه السلام .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : أوحى الله تعالى إلى شعيب « إني باعث نبياً أمياً أفتح به آذاناً صماً ، وقلوباً غلفاً ، وأعيناً عمياً ، مولده بمكة ومهاجره بطيبة وملكه بالشام ، عبدي المتوكل المصطفى المرفوع الحبيب المتحبب المختار ، لا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح رحيماً بالمؤمنين ، يبكي للبهيمة المثقلة ويبكي لليتيم في حجر الأرملة ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا متزين بالفحش ، ولا قوّال للخنا ، يمر إلى جنب السراج لم يطفئه من سكينته ، ولو يمشي على القصب الرعراع يعني اليابس لم يسمع من تحت قدميه ، أبعثه مبشراً ونذيراً ، أسدده لكل جميل وأهب له كل خلق كريم ، أجعل السكينة لباسه ، والبرَّ شعاره ، والمغفرة والمعروف حليته ، والحق شريعته ، والهدى إمامه ، والإِسلام ملته ، وأحمد اسمه ، أهدي به من بعد الضلالة ، وأعلم به بعد الجهالة ، وأرفع به بعد الخمالة ، وأسمي به بعد النكرة ، وأكثر به بعد القلة ، وأغنى به بعد العيلة ، وأجمع به بعد الفرقة ، وأؤلف به بين قلوب ، وأهواء متشتتة وأمم مختلفة ، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ، آمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ، وتوحيداً لي وإيماناً بي وإخلاصاً لي وتصديقاً لما جاءت به رسلي ، وهم رعاة الشمس .

طوبى لتلك القلوب والوجوه والأرواح التي أخلصت لي ، أُلهمهم التسبيح والتكبير والتمجيد والتوحيد في مساجدهم ومجالسهم ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم ، ويصفُّون في مساجدهم كما تصف الملائكة حول عرشي ، هم أوليائي وأنصاري ، أنتقم بهم من أعدائي عبدة الأوثان ، يصلون لي قياماً وقعوداً وسجوداً ، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاتي ألوفاً ، ويقاتلون في سبيلي صفوفاً وزحوفاً ، اختم بكتبهم الكتب ، وشريعتهم الشرائع ، وبدينهم الأديان ، من أدركهم فلم يؤمن بكتابهم ويدخل في دينهم وشريعتهم فليس مني وهو مني بريء ، واجعلهم أفضل الأمم ، واجعلهم أمة وسطاء شهداء على الناس ، إذا غضبوا هللوني ، وإذا قبضوا كبَّروني ، وإذا تنازعوا سبَّحوني ، يطهرون الوجوه والأطراف ، ويشدون الثياب إلى الأنصاف ، ويهللون على التلال والأشراف ، قربانهم دماؤهم ، وأناجيلهم صدورهم ، رهبان بالليل ليوث بالنهار ، مناديهم في جو السماء ، لهم دوي كدوي النحل ، طوبى لمن كان معهم وعلى دينهم ومناهجهم وشريعتهم ، ذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم » .

وأخرج البيهقي في الدلائل عن وهب بن منبه قال : إن الله أوحى في الزبور « يا داود إنه سيأتي من بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد صادقاً نبياً لا أغضب عليه أبداً ولا يعصيني أبداً ، وقد غفرت له أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأمته مرحومة أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء ، وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل ، حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء ، وذلك أني افترضت عليهم أن يتطهروا لي لكل صلاة كما افترضت على الأنبياء قبلهم ، وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم ، وأمرتهم بالحج كما أمرت الأنبياء قبلهم ، وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم ، يا داود إني فضَّلت محمداً وأمته على الأمم ، أعطيتهم ست خصال لم أعطها غيرهم من الأمم ، لا أؤاخذهم بالخطأ والنسيان ، وكل ذنب ركبوه على غير عمد إذا استغفروني منه غفرته ، وما قدموا لآخرتهم من شيء طيبة به أنفسهم عجلته لهم أضعافاً مضاعفة ، ولهم عندي أضعاف مضاعفة وأفضل من ذلك ، وأعطيتهم على المصائب في البلايا إذا صبروا وقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، الصلاة والرحمة والهدى إلى جنات النعيم ، فإن دعوني استجبت لهم ، فإما أن يروه عاجلاً وإما أن أصرف عنهم سوءاً وإما أن أؤخره لهم في الآخرة ، يا داود من لقيني من أمة محمد يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي صادقاً بها فهو معي في جنتي وكرامتي ، ومن لقيني وقد كذب محمداً وكذب بما جاء به واستهزأ بكتابي صببت عليه في قبره العذاب صباً ، وضربت الملائكة وجهه ودبره عند منشره من قبره ، ثم أدخله في الدرك الأسفل من النار » .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عبد الله بن عمرو قال : أجد في الكتب أن هذه الأمة تحب ذكر الله كما تحب الحمامة وكرها ، ولهم أسرع إلى ذكر الله من الإِبل إلى وردها يوم ظمئها .

قوله تعالى : { ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } الآية .

أخرج الطبراني عن حبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن جده « أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل من الأعراب يستفتيه عن الرجل ، ما الذي يحل له والذي يحرم عليه في ماله ونسكه وماشيته وعنزه وفرعه من نتاج إبله وغنمه ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحلَّ لك الطيبات وحرم عليك الخبائث إلا أن تفتقر إلى طعام فتأكل منه حتى تستغني عنه . قال : ما فقري الذي آكل ذلك إذا بلغته ؟ أمْ ما غناي الذي يغنيني عنه ؟ قال : إذا كنت ترجو نتاجاً فتبلغ بلحوم ماشيتك إلى نتاجك ، أو كنت ترجو عشاء تصيبه مدركاً فتبلغ إليه بلحوم ماشيتك ، وإذا كنت لا ترجو من ذلك شيئاً فاطعم أهلك ما بدا لك حتى تستغني عنه . قال الأعرابي : وما عشائي الذي أدعه إذا وجدته ؟ قال : إذا رويت أهلك غبوقاً من اللبن فاجتنب ما حرم عليك من الطعام ، وأما مالك فإنه ميسور كله ليس منه حرام غير أن في نتاجك من إبلك فرعاً ، وفي نتاجك من غنمك فرعاً تغذوه ماشيتك ، حتى تستغني ، ثم إن شئت فأطعمه أهلك وإن شئت تصدَّق بلحمه ، وأمره أن يعقر من الغنم في كل مائة عشراً » .

وأخرج ابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن جريج في قوله { ويحل لهم الطيبات } قال : الحلال { ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } قال : التثقيل الذي كان في دينهم .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { ويحرم عليهم الخبائث } قال : كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلون من المحرمات من المآكل التي حرَّمها الله . وفي قوله { ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } قال : هو ما كان أخذ الله عليهم من الميثاق فيما حرم عليهم .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { ويضع عنهم إصرهم } قال : عهدهم ومواثيقهم في تحريم ما أحلَّ الله لهم .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي { ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } يقول : يضع عنهم عهودهم ومواثيقهم التي أخذت عليهم في التوراة والإِنجيل .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { ويضع عنهم إصرهم } قال : التشديد في العبادة ، كان أحدهم يذنب الذنب فيكتب على باب داره : إن توبتك أن تخرج أنت وأهلك ومالك إلى العدو فلا ترجع حتى يأتي الموت على آخركم .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { ويضع عنهم إصرهم } قال : ما غلظ على بني إسرائيل من قرض البول من جلودهم إذا أصابهم ونحوه .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شوذب في قوله { والأغلال التي كانت عليهم } قال : الشدائد التي كانت عليهم .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { ويضع عنه إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } قال : تشديد شدد على القوم ، فجاء محمد صلى الله عليه وسلم بالتجاوز عنهم .

وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير { ويضع عنهم إصرهم } قال : ما غلظوا على أنفسهم من قطع أثر البول ، وتتبع العروق في اللحم وشبهه .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد { ويضع عنهم إصرهم } قال : عهدهم .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { عزروه } يعني عَظَّموه وَوَقَّروه .

وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله { وعزَّروه ونصروه } قال : بالسيف .

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { وعزَّروه } يقول : نصروه . قال : فأما نصره وتعزيزه وقد سبقتم به ، ولكن خيركم من آمن واتبع النور الذي أنزل معه .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { وعزَّروه } قال : شددوا أمره وأعانوا رسوله ونصروه .

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { وعزروه } مثقلة .