فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَـٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (157)

ثم بين سبحانه هؤلاء الذين كتب لهم هذه الرحمة ، ببيان أوضح مما قبله وأصرح فقال : { الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبيء الأمي } وهو محمد عليه الصلاة والسلام ، فخرجت اليهود والنصارى وسائر الملل . والأمي : إما نسبة إلى الأمة الأمية التي لا تكتب ولا تحسب ، وهم العرب ، أو نسبة إلى الأم . والمعنى أنه باق على حالته التي ولد عليها لا يكتب ولا يقرأ المكتوب ؛ وقيل نسبة إلى أمّ القرى ، وهي مكة . { الذي يجدونه } يعني : اليهود والنصارى ، أي يجدون نعته { مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل } وهما مرجعهم في الدين . وهذا الكلام منه سبحانه مع موسى هو قبل نزول الإنجيل فهو من باب الإخبار بما سيكون . ثم وصف هذا النبيّ الذي يجدونه كذلك بأنه يأمر بالمعروف ، أي بكل ما تعرفه القلوب ، ولا تنكره من الأشياء التي هي من مكارم الأخلاق { وينهاهم عَنِ المنكر } أي ما تنكره القلوب ولا تعرفه . وهو ما كان من مساوئ الأخلاق . قيل : إن قوله : { يَأْمُرُهُم بالمعروف } إلى قوله : { أُوْلَئِكَ هُمُ المفلحون } كلام يتضمن تفصيل أحكام الرحمة التي وعد بها . ذكر معناه الزجاج . وقيل : هو في محل نصب على الحال من النبيّ . وقيل : هو مفسر لقوله : { مَكْتُوبًا } .

قوله : { يَحِلَّ لَهُمُ الطيبات } أي المستلذات . وقيل : يحلّ لهم ما حرّم عليهم من الأشياء التي حرّمت عليهم بسبب ذنوبهم { وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الخبائث } أي المستخبئات كالحشرات والخنازير { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ } الإصر الثقل ، أي يضع عنهم التكاليف الشاقة الثقيلة . وقد تقدّم بيانه في البقرة .

{ والأغلال التي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } أي ويضع عنهم الأغلال التي كانت عليهم . الأغلال مستعارة للتكاليف الشاقة التي كانوا قد كلفوها { فالذين آمَنُواْ بِهِ } أي بمحمد صلى الله عليه وسلم { واتبعوه } فيما جاء به من الشرائع { وَعَزَّرُوهُ } أي عظموه ووقروه ، قاله الأخفش . وقيل : معناه منعوه من عدوّه ، وأصل العزر : المنع ، وقرأ الجحدريّ { وعزروه } بالتخفيف { ونصروه } أي قاموا بنصره على من يعاديه { واتبعوا النور الذي أُنزِلَ مَعَهُ } أي اتبعوا القرآن الذي أنزل عليه مع نبوّته . وقيل المعنى : واتبعوا القرآن المنزل إليه مع اتباعه بالعمل بسنته ، مما يأمر به وينهى عنه ، أو اتبعوا القرآن مصاحبين له في اتباعه ، والإشارة ب { أولئك } إلى المتصفين بهذه الأوصاف { هُمُ المفلحون } الفائزون بالخير والفلاح لا غيرهم من الأمم .

/خ157