الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَـٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (157)

فقال : { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي }[ 157 ] الآيات كلها . فجعلها في هذه الأمة{[25590]} .

قال الحسن : { ورحمتي وسعت كل شيء } ، ( وسعت ){[25591]} البر والفاجر في الدنيا ، وهي للمتقين في الآخرة ، وكذلك قال قتادة{[25592]} .

وروى أبو هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن لله{[25593]} ، ( عز وجل ){[25594]} ، مائة رحمة ، أنزل منها رحمة واحدة بين الخلق ، الجن والإنس والبهائم والهوام ، فبها يتعاطفون ، وبها يتراحمون ، وبها تتعاطف{[25595]} الوحوش{[25596]} على أولادها ، وأخَّر تسعا وتسعين{[25597]} رحمة ، يرحم بها عباده يوم القيامة " {[25598]} .

وقال عطاء : خلق الله ( عز وجل ){[25599]} ، مائة رحمة ، فجعل رحمة واحدة بين خلقه{[25600]} ، بما يتراحم الناس والبهائم والطير على أولادها ، حتى إن الطير ليؤخذ على فراخه ، وأخر تسعا وتسعين رحمة لنفسه ، فإذا كان يوم القيامة جمع هذه الرحمة إلى التسع والتسعين فوسعت رحمته كل شيء{[25601]} .

وعن كعب أنه قال : ينظر الله ( عز وجل ){[25602]} إلى عبده{[25603]} يوم القيامة ، فيقول : خذوه ، فيأخذه مائة ألف ملك حتى يتفتت في أيديهم ، فيقول : أما ترحموننا{[25604]} ؟ فيقولون{[25605]} : وكيف نرحمك ؟ ولم يرحمك أرحم الراحمين . روى جميعه نُعيم بن حماد{[25606]} .

قال{[25607]} ابن زيد : معنى " اكتب " ، أي : أكتب في اللوح الذي كتب{[25608]} فيه التوراة{[25609]} .

قال ابن عباس : { للذين يتقون } ، أي : يتقون الشرك{[25610]} .

وقيل المعنى : يتقون المعاصي{[25611]} .

قال ابن عباس : { ويوتون الزكاة } أي : يعملون{[25612]} بما يزكون به أنفسهم من صالحات الأعمال{[25613]} .

وروى{[25614]} زيد بن أسلم : أن عيسى عليه السلام{[25615]} ، قال : يا رب ، نبئني عن هذه الأمة المرحومة ، التي جعلت فيها من الخير ما جعلت ، قال : هم يا عيسى علماء حكماء ، كأنهم أنبياء .

وذكر زيد أيضا : أن موسى عليه السلام{[25616]} قال : يا رب ، نبئني عن هذه الأمة المرحومة ، قال : أمة محمد ( عليه السلام{[25617]} ) ، قال : نعم ، قال : ( هم ){[25618]} يا موسى يرضون مني بالقليل من العطاء إذا أعطيتهم ، وأرضى منهم بالقليل{[25619]} من العمل ، أدخل أحدهم الجنة ، أن يقول : لا إله إلا الله .

قال النحاس في معنى : { ورحمتي وسعت كل شيء } أي : من دخل فيها ، لم تعجز عنه{[25620]} .

وقال{[25621]} ابن عباس{[25622]} ، ومجاهد ، وغيرهما{[25623]} : { للذين يتقون } ، يعني أمة محمد ، عليه السلام{[25624]} .

قال ابن جبير : لما قال الله ، ( عز وجل ){[25625]} ، لموسى : { فسأكتبها{[25626]} للذين يتقون } ، قال موسى : يا رب ، أتيتك بوفد بني إسرائيل فجعلت وفادتنا لغيرنا ! فأنزل الله ( عز وجل ){[25627]} ، { ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون }{[25628]} .

قال قتادة : { يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل }[ 157 ] ، أي : يجدون نعته{[25629]} وصفته{[25630]} .

{ يامرهم بالمعروف }[ 157 ] .

أي : يأمر أتباعه{[25631]} بالمعروف{[25632]} .

{ و/ينهاهم عن المنكر{[25633]} ويحل لهم الطيبات }[ 157 ] .

وهو ما حرمته العرب من : البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي{[25634]} .

{ ويحرم عليهم الخبائث }[ 157 ] .

" الخبائث " عند مالك في هذه الآية : الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وما أهل به لغير الله{[25635]} ، والزنا ، والخمر ، وشبه ذلك{[25636]} .

{ ويضع عنهم إصرهم{[25637]} }[ 157 ] .

أي : عهدهم الذي كان أخذ على بني إسرائيل أن يعلموا بما في التوراة ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وغيرهما{[25638]} .

وقيل : هو ما ألزموه من قطع ما أصابه البول{[25639]} .

وقوله : { والاغلال التي كانت عليهم }[ 157 ] .

هو قول الله ، ( عز وجل ){[25640]} : { غلت أيديهم }{[25641]} ، من آمن بمحمد ( صلى الله عليه وسلم{[25642]} ) ، لم تُغَلْ يده{[25643]} .

وقيل : الأغلال إنما هو تمثيل ، وهي أشياء كُلفوها فصارت إلى أعناقهم لازمة بمنزلة الأغلال{[25644]} .

{ وعزروه }[ 157 ] .

أي : وقروه ، وحموه{[25645]} من الناس{[25646]} .

{ واتبعوا النور الذي أنزل معه }[ 157 ] .

أي : القرآن سمي نورا ؛ لأنه في البيان والاهتداء به ، بمنزلة النور الذي يهتدى به .

وقرأ الجحدري{[25647]} وعيسى{[25648]} : " وعزروه " ، مخففا{[25649]} .

وروي عن أبي{[25650]} بكر عن عاصم : " ويضع عنهم أصرهم " ، بفتح الهمزة ، لغة{[25651]} .


[25590]:جامع البيان 13/157، بتصرف.
[25591]:ما بين الهلالين ساقط من "ر".
[25592]:جامع البيان 13/159، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1578، وتفسير الماوردي 2/267، وتفسير البغوي 3/287، وزاد المسير 3/271. وهو قول الذين يقولون بالعموم في الدنيا، وبالخصوص في الآخرة.
[25593]:في الأصل: الله، وهو تحريف.
[25594]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[25595]:في "ر": يتعاطف.
[25596]:في "ح": الوحش.
[25597]:في "ج": وأخذ التسع والتسعين.
[25598]:أخرجه مسلم في صحيحه حديث 2752.
[25599]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[25600]:في "ج": فجعل منها واحدة بين خلقه.
[25601]:تفسير ابن أبي حاتم 5/1578، باختلاف في بعض ألفاظه.
[25602]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[25603]:في الأصل: إلى عباده.
[25604]:في الأصل: طمس بفعل التصوير. وفي "ر": ترحمونا. وأثبت ما في "ج".
[25605]:في ج: فتقول.
[25606]:هو: نعيم بن حماد بن معاوية، الخزاعي، أبو عبد الله المروزي، الفارض، نزيل مصر. توفي سنة 228هـ على الصحيح. انظر: تهذيب التهذيب 4/233، وما بعدها وتقريب التهذيب 495.
[25607]:في "ج": وقال. وفي "ر": أفسدته الرطوبة والأرضة.
[25608]:في الأصل: كتبت وفي "ج"، وجامع البيان الذي نقل عنه مكي: كتب، وهو ما أثبته. وفي "ر" أفسدتها الرطوبة والأرضة.
[25609]:جامع البيان 13/159، من غير عزو.
[25610]:جامع البيان 13/160، وتفسير الماوردي 2/267، وزاد المسير 3/271، والدر المنثور 3/573، وفتح القدير 2/290. وهو قول الحسن، وابن سيرين، أيضا في تفسير ابن أبي حاتم 5/1580. وقوله: أي يتقون الشرك، لحق في "ج".
[25611]:وهو قول قتادة، في جامع البيان 13/160، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1580، وتفسير الماوردي 2/267، وزاد المسير 3/271.
[25612]:في الأصل: يعلمون، وهو تحريف. وفي "ج": سيئة الخط.
[25613]:جامع البيان 13/160، بتصرف يسير. وفي تفسير ابن كثير 2/251: "قيل: زكاة النفوس. وقيل: الأموال. ويحتمل أن تكون عامة لهما، فإن الآية مكية". انظر: تفسير الماوردي 2/267، والمحرر الوجيز 2/461، وزاد المسير 3/271، والبحر المحيط 4/401.
[25614]:في "ج": روى.
[25615]:في "ر" رمز: صم صلى الله عليه وسلم.
[25616]:في "ر" رمز: صم صلى الله عليه وسلم. وفي "ج" طمست بفعل الأرضة.
[25617]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" و"ر".
[25618]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[25619]:أحسبه في "ر": القليل.
[25620]:إعراب القرآن 2/155، وتمامه: "وقيل: وسعت كل شيء من الخلق، حتى أن البهيمة لها رحمة وعطف على ولدها".
[25621]:في "ج": قال.
[25622]:جامع البيان 13/161.
[25623]:انظر: جامع البيان 13/161، 163.
[25624]:في "ج": صلى الله عليه.
[25625]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" و"ر".
[25626]:في المخطوطات الثلاث: سأكتبها. وأثبت نص التلاوة.
[25627]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[25628]:طرف من أثر منسوب إلى نوف البكالي في جامع البيان 13/162، وتفسير القرطبي 7/189. والبكالي هو نوف بن فضالة الحميري البكالي، أبو يزيد، شامي، وهو ابن امرأة كعب الأحبار. توفي في التسعين. انظر: تهذيب التهذيب 4/249، وتقريب التهذيب 498.
[25629]:في الأصل: نعمته، وهو تحريف.
[25630]:جامع البيان 13/165، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1582، والدر المنثور 3/575، وفتح القدير 2/290، بلفظ: "يجدون نعته وأمره نبوته مكتوبا عندهم".
[25631]:في "ج": تباعه.
[25632]:جامع البيان 13/165، باختصار ونصه: "يأمر هذا النبي الأمي أتباعه بالمعروف، وهو: الإيمان بالله ولزوم طاعته فيما أمر ونهى، فذلك "المعروف" الذي يأمرهم به".
[25633]:في جامع البيان 13/165: {ينهاهم عن المنكر}، وهو: الشرك بالله، والانتهاء عما نهاهم عنه.
[25634]:جامع البيان 13/165، بتصرف يسير. وتنظر: أقوال أخرى في زاد المسير 3/273.
[25635]:في "ج": وما أهل لغير الله به.
[25636]:انظر المحرر الوجيز 2/463، وتفسير القرطبي 7/191. وفي جامع البيان 13/166،،...، عن ابن عباس:...، وهو لحم الخنزير، والربا، وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله. وفي تفسير ابن كثير 2/254: "قال بعض العلماء: فكل ما أحل الله تعالى من المآكل فهو طيب نافع في البدن والدين، وكل ما حرمه فهو خبيث ضار في البدن والدين".
[25637]:في "ج": زيادة {والاغلال}.
[25638]:انظر: جامع البيان 13/166. وهو الاختيار فيه.
[25639]:إعراب النحاس 2/155. وهو قول سعيد بن جبير في جامع البيان 13/167، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1583، والدر المنثور 3/583، وفتح القدير 2/290.
[25640]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[25641]:المائدة:66. ومستهلها: {وقالت اليهود يد الله مغلولة...}.
[25642]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[25643]:وهو تفسير عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في جامع البيان 13/168، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1584، والمحرر الوجيز 2/464.
[25644]:وهو قول الزجاج في معاني القرآن 2/381، بتصرف واختصار. ونص الزجاج: "والأغلال تمثيل، ألا ترى أنك تقول: جعلت هذا طوقا في عنقك، وليس هناك طوق، وإنما تأويله: أني قد وليتك هذا وألزمتك القيام به، فجعلت لزومه لك كالطوق في عنقك. والأغلال التي كانت عليهم": كان عليهم أنه من قَتَل قُتِل، ولا يقبل في ذلك دية، وكان عليهم إذا أصاب جلودهم شيء من البول أن يقرضوه، وكان عليهم ألا يعملوا في السبت. فهذه الأغلال التي كانت عليهم". وهو من الاستعارة. انظر: تأويل مشكل القرآن 148، والمحرر الوجيز 2/464، وتفسير القرطبي 7/191. ولابن كثير في تفسيره 2/254، كلام لطيف جلى فيه-رحمه الله- يسر الشريعة وسماحتها وتوسعتها على الأمة، فتأمله!
[25645]:في الأصل، و"ر": رحموه، وهو تحريف. وفي "ج" أفسدته الأرضة. وأثبت ما في جامع البيان الذي نقل عنه مكي.
[25646]:وهو تفسير ابن عباس في جامع البيان 13/168، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1585.
[25647]:هو: عاصم بن أبي الصباح أبو المجشر الجحدري البصري، توفي قبل 130هـ انظر: غاية النهاية 1/349.
[25648]:هو: عيسى بن عمر، الثقفي النحوي البصري، معلم النحو، أبو عمرو. عرض القرآن على عاصم الجحدري. توفي سنة 149هـ. انظر: غاية النهاية: 1/613.
[25649]:إعراب القرآن للنحاس 2/155، والمختصر في شواذ القرآن 52، من غير ذكر عيسى، والمحتسب في تبيين شواذ القراءات 1/261، وعزاها للجحدري، وسليمان التيمي، وقتادة، وفيه: "مشهور اللغة في ذلك: عززت الرجل، أي: عظمته، وهو مشدد وقد قالوا: عززت الرجل عن الشيء بتخفيف الزاي، إذا منعته عن الشيء،....، فقد يجوز أن يكون "وعزروه" على هذه القراءة، أي: منعوه حجزوا ذكره عن السوء..."، وإعراب القراءات السبع 1/567، وتفسير القرطبي 7/192، والبحر المحيط 4/403.
[25650]:هو: شعبة بن عياش بن سالم، أبو بكر، الأسدي، الكوفي، الإمام. راوي عاصم بن أبي النجود. توفي سنة 193هـ. انظر معرفة القراء الكبار 1/134، وغاية النهاية 1/325.
[25651]:مختصر شواذ القرآن 51، والمحرر الوجيز 2/464، والدر المصون 3/355، من غير عزو. وفي إعراب القراءات الشواذ 1/566، 567: "...يقرأ: بكسر الهمزة، وفتحها وضمها وكل لغة، إلا أن الفتح أغربها".