معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَٰحَسۡرَةً عَلَى ٱلۡعِبَادِۚ مَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (30)

قوله تعالى : { يا حسرةً على العباد } قال عكرمة : يعني يا حسرتهم على أنفسهم ، والحسرة : شدة الندامة ، وفيه قولان : أحدهما : يقول الله تعالى يا حسرة وندامة وكآبة على العباد يوم القيامة حين لم يؤمنوا بالرسل . والآخر : أنه من قول الهالكين . قال أبو العالية : لما عاينوا العذاب قالوا : يا حسرة أي : ندامة على العباد ، يعني : على الرسل الثلاثة حيث لم يؤمنوا بهم ، فتمنوا الإيمان حين لم ينفعهم . قال الأزهري : الحسرة لا تدعى ، ودعاؤها تنبيه المخاطبين . وقيل : العرب تقول : يا حسرتي ! ويا عجباً ! على طريق المبالغة ، والنداء عندهم بمعنى التنبيه ، فكأنه يقول : أيها العجب هذا وقتك ؟ وأيتها الحسرة هذا أوانك ؟ حقيقة المعنى : أن هذا زمان الحسرة والتعجب . { ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون* }

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَٰحَسۡرَةً عَلَى ٱلۡعِبَادِۚ مَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (30)

ولما أخبر عنهم سبحانه بما هو الحق من أمرهم ، ورغبهم بما ضرب لهم من المثل ، ورهبهم ولم ينفعهم ذلك ، أنتج التأسيف عليهم وعلى الممثل بهم ومن شابههم فقال تعالى : { يا حسرة } أي : هذا الحال مستحق لملازمة حسرة عظيمة { على العباد } ، فكأنه قيل لها : تعالى فهذا من أحوالك التي حقك أن تحضري فيها ، فإن هؤلاء أحقاء بأن يتحسر عليهم ، والحسرة : شدة الندم على ما فات ، فأحرق فقده وأعيى أمره ، فلا حيلة في رده ، ويجوز أن يكون المعنى أن العباد - لكثرة ما يعكسون من أعمالهم - لا تفارقهم أسباب الحسرة ولا حاضر معهم غيرها ، فلا نديم لهم إلا هي ، ولا مستعلي عليهم وغالب لهم سواها .

ولما كان كأنه قيل : أيّ حال ؟ قال مبيناً له ومعللاً للتحسر بذكر سببه : { ما يأتيهم } وأعرق في النفي والتعميم بقوله : { من رسول } أي :رسول كان في أيّ وقت كان { إلا كانوا به } أي :بذلك الرسول { يستهزءون * } أي :يوجدون الهزء ، والرسل أبعد الخلق من الهزء حالاً ومقالاً وفعالاً ، ومن الواضح أن المستهزئ بمن هذا حاله هالك فهو جدير بملازمة الحسرة وأن يتحسر عليه .