فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَٰحَسۡرَةً عَلَى ٱلۡعِبَادِۚ مَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (30)

{ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ } : النصب على أنها منادى منكر ، كأنه نادى الحسرة وقال لها : هذا أوانك فاحضري ، وقيل : إنها منصوبة على المصدرية ، والمنادى محذوف والتقدير : يا هؤلاء تحسروا حسرة ، وقرئ : بالضم على النداء ، قال الفراء في توجيه هذه القراءة : إن الاختيار النصب ، وأنها لو رفعت النكرة لكان صوابا . واستشهد بأشياء نقلها عن العرب منها أنه سمع منهم : يا مهتم ، بأمرنا لا تهتم .

قال النحاس : وفي هذا إبطال باب النداء أو أكثره ، قال : وتقدير ما ذكره : يا أيها المهتم لا تهتم بأمرنا وحقيقة الحسرة أن يلحق الإنسان من الندم ما يصير به حسيرا ، قال ابن جرير : المعنى يا حسرة من العباد على أنفسهم وتندما وتلهفا في استهزائهم برسل الله ، وقرئ : يا حسرة العباد على الإضافة ، ورويت هذه القراءة عن أبي . وقال الضحاك : إنها حسرة الملائكة على الكفار حين كذبوا الرسل ، وقيل : هي من قول الرجل الذي جاء من أقصى المدينة .

وقيل : إن القائل يا { حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ } هم الكفار المكذبون ، والعباد الرسل ، وذلك أنهم لما رأوا العذاب تحسروا على قتلهم وتمنوا الإيمان قاله أبو العالية ومجاهد . قيل : إن التحسر عليهم هو من الله عز وجل بطريق الاستعارة لتعظيم ما جنوه ، وقرئ : يا حسره بسكون الهاء إجراء للوصل مجرى الوقف ، وقرئ :يا حسرتا كما قرئ بذلك في سورة الزمر ، قال ابن عباس : أي يا ويلا للعباد ، وعنه قال : الندامة على العباد يوم القيامة وأل في العباد للجنس .

{ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئون } : مستأنفة مسوقة لبيان ما كانوا عليه من تكذيب الرسل والاستهزاء بهم ، وأن ذلك هو سبب التحسر عليهم ،