فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَٰحَسۡرَةً عَلَى ٱلۡعِبَادِۚ مَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (30)

{ يا حسرة عَلَى العباد } قرأ الجمهور بنصب { حسرة } ، على أنها منادى منكر ، كأنه نادى الحسرة ، وقال لها : هذا أوانك فاحضري . وقيل : إنها منصوبة على المصدرية ، والمنادى محذوف ، والتقدير : يا هؤلاء تحسروا حسرة .

وقرأ قتادة ، وأبيّ في رواية عنه بضم حسرة على النداء . قال الفراء : في توجيه هذه القراءة : إن الاختيار النصب ، وإنها لو رفعت النكرة لكان صواباً ، واستشهد بأشياء نقلها عن العرب منها أنه سمع من العرب : يا مهتم بأمرنا لا تهتم ، وأنشد :

* يا دار غيّرها البلى تغييرا *

قال النحاس : وفي هذا إبطال باب النداء أو أكثره . قال : وتقدير ما ذكره : يأيها المهتم لا تهتم بأمرنا ، وتقدير البيت : يا أيتها الدار . وحقيقة الحسرة : أن يلحق الإنسان من الندم ما يصير به حسيراً . قال ابن جرير : المعنى يا حسرة من العباد على أنفسهم ، وتندّما وتلهفا في استهزائهم برسل الله ، ويؤيد هذا قراءة ابن عباس ، وعليّ بن الحسين " يا حسرة العباد " على الإضافة ، ورويت هذه القراءة عن أبيّ . وقال الضحاك : إنها حسرة الملائكة على الكفار حين كذبوا الرسل . وقيل : هي من قول الرجل الذي جاء من أقصى المدينة . وقيل : إن القائل : يا حسرة على العباد هم : الكفار المكذبون ، والعباد الرسل ، وذلك أنهم لما رأوا العذاب تحسروا على قتلهم ، وتمنوا الإيمان قاله أبو العالية ، ومجاهد ، وقيل : إن التحسر عليهم هو من الله عزّ وجلّ بطريق الاستعارة لتعظيم ما جنوه . وقرأ ابن هرمز ، ومسلم بن جندب ، وعكرمة ، وأبو الزناد " يا حسره " بسكون الهاء إجراء للوصل مجرى الوقف . قرئ " يا حسرتا " كما قرئ بذلك في سورة الزمر ، وجملة { مَا يَأْتِيهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } مستأنفة مسوقة لبيان ما كانوا عليه من تكذيب الرسل ، والاستهزاء بهم ، وأن ذلك هو سبب التحسر عليهم .

/خ40