قوله : { يا حسرة } العامة على نصبها . وفيه{[46009]} وجهان :
أحدهما : أنها منصوبة على المصدر والمنادى محذوف تقديره يا هؤلاء تَحسَّرُوا حَسْرَةً{[46010]} .
والثاني : أنها منونة لأنها منادى منكر فنصبت على أصلها{[46011]} كقوله :
4177- فَيَا رَاكِباً إمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغاً . . . نَدَامَاي مِنْ نَجْرَانَ أَنْ لاَ تَلاَقِيَا{[46012]}
ومعنى النداء هنا على المجاز ، كأنه قيل : هذا أوانك فاحضري . وقرأ قتادة وأبيّ{[46013]} - في أحد وجهيه- يا حسرة بالضم{[46014]} جَعَلها مقبلاً عليها وأبيّ أيضاً وابن عباس وعلي بن الحُسَيْن { يَا حَسْرَةً العِبادِ }{[46015]} بالإضافة فيجوز أن تكون الحسرة مصدرا مضافا لفاعله أي : يتحسرون على غيرهم لما يرون من عذابهم وأن يكون مضافاً لمفعوله أي : يَتَحَسَّرُ عليهم ( من ){[46016]} غيرهم{[46017]} . وقرأ أبو الزناد{[46018]} وابن هُرْمز{[46019]} وابن جُنْدُب{[46020]} { يا حَسْرَهْ } بالهاء ( المهملة ){[46021]} المبدلة من تاء التأنيث وصلاً{[46022]} وكأنهم أَجْروا الوَصْل مُجْرَى الوقف وله نظائر مرت{[46023]} . وقال صاحب اللوامح{[46024]} :وقفوا بالهاء مبالغة في التحسر لما في الهاء من التَّاهَةِ بمعنى التأوه ثم وصلوا على{[46025]} تلك الحال . وقرأ ابن عباس أيضاً : يا حَسْرَة بفتح التاء{[46026]} من غير تنوين ، ووجهها أن الأصل يا حسرتا فاجتزئ بالفتحة عن الألف كما اجتزئ بالكسرة عن الياء{[46027]} ومنه :
4178- وَلَسْتُ براجِعِ مَا فَات مِنِّي . . . بِلَهْفَ وَلاَ بِلَيْتَ وَلاَ لَوَ انِّي{[46028]}
أي :بلهفها{[46029]} بمعنى لهفي . وقرئ : يا حَسْرتَا بالألف كالتي في الزمر{[46030]} . وهي شاهدة لقراءة ابن عباس وتكون التاء لله تعالى ، وذلك على سبيل المجاز دلالة على فرط هذه الحسرة ، وإلا فاللَّه تعالى لا يوصف بذلك{[46031]} . قوله : { مَا يَأْتِيهِمْ } هذه الجملة لا محل لها لأنها مفسِّره لسبب الحسرة عليهم{[46032]} . وهذا الضمير يجوزأن يكون عائداً إلى قوم حبيب أي :ما يأتيهم من رسول من الرّسلِ الثلاثة . ويجوز أن يعود إلى الكفار المصرين{[46033]} . وقوله : { إلاَّ كَانُوا } جملة حالية من مفعول { يَأْتِيهِمْ }{[46034]} .
الألف واللام في العباد قيل : للعهد وهم الذين أخذتهم الصيحة فيا حسرة على أولئك . وقيل : لتعريف الجنس أي جنس الكفار المكذبين{[46035]} وقيل : المراد بالعباد الرسل الثلاثة كأنه الكافرين يقولون عند ظهور اليأس : يا حسرةً عليهم يا ليتهم كانوا حاضرين لنؤمن بهم ثانياً{[46036]} ، وهم قوم ( حبيب ){[46037]} . وفي التحسر وجوه :
الأول : لا متحسر{[46038]} أصلاً في الحقيقة إذ المقصودُ بيانُ ( أن ){[46039]} ذلك وقت طلب الحسرة حيث تحققت الندامة عن تحقق العذاب ، وههنا بحث لغوي وهو أن المفعول قد يرفض كثيراً إذا كان الغرض غير متعلق به يقال{[46040]} : فلان يعطي ويمنع ولا يكون هناك شيء مُعْطًى ولا شخص معطى ، إذ المقصود أن له المنع والإعطاء ، ورفض المفعول كثير وما نحن فيه رفض الفاعل وهو قليل . والوجه فيه أن ذكر التحسر{[46041]} غير مقصود ، وإنما المقصود أن الحسرة متحققة في خلال الوقت .
الثاني : أن القائل يا حسرة هو الله على الاستعارة تعظيماً للأمر وتهويلاً له وحينئذ يكون كالألفاظ التي وردت في حق الله كالضِّحِك والسُّخْرية والتعجب والتّمنِّي .
أو يقال : ليس معنى قوله يا حسرة أو يا ندامة أن القائل متحسر أو نادم{[46042]} ، بل المعنى : أنه مخبرٌ عن الوقوع وقوع الندامة ولا يحتاج إلى التجوز في كونه تعالى قائلاً : يا حسرة ، بل تجْريه على حقيقته إلا في النداء فإن النداء مجاز والمراد الإخبار .
الثالث : أن المتلهفين من المسلمين والملائكة لما حكى عن حبيب أنه حين القتل كان يقول اللَّهم اهد قومي ، وبعد ما قتلوه وأدخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون فيجوز أن يتحسر المسلم للكافر ويتندم له وعليه . وقوله : { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } هذا سبب الندامة{[46043]} .
قال الزهري : الحسرة لا تدعى ، ودعاؤها تنبيه للمخاطبين ، وقيل العرب تقول : يا حَسْرَتَا ويا عَجَبَا على طريق المبالغة .
والنداء عندهم بمعنى التنبيه فكأنه يقول : أيها العجبُ هذا وقتُكَ وأيتها الحسرة هذا أوَانُكِ وحقيقة المعنى أن هذا زمان الحسرة والتَّعَجُّب{[46009]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.