قوله تعالى : { يا حسرة على العباد } منصوب ؛ لأنه نداء نكرة ولا يجوز فيه غير النصب عند البصريين . وفي حرف أبي :{ يا حسرة العباد } على الإضافة . وحقيقة الحسرة في اللغة أن يلحق الإنسان من الندم ما يصير به حسيرا . وزعم الفراء أن الاختيار النصب ، وأنه لو رفعت النكرة الموصولة بالصلة كان صوابا . واستشهد بأشياء منها أنه سمع من العرب : يا مهتم بأمرنا لا تهتم ، وأنشد :
يا دار غَيَّرَهَا البِلَى تَغْييرا{[13207]}
قال النحاس : وفي هذا إبطال باب النداء أو أكثره ؛ لأنه يرفع النكرة المحضة ، ويرفع ما هو بمنزلة المضاف في طول ، ويحذف التنوين متوسطا ، ويرفع ما هو في المعنى مفعول بغير علة أوجبت ذلك . فأما ما حكاه عن العرب فلا يشبه ما أجازه ؛ لأن تقدير يا مهتم بأمرنا لا تهتم على التقديم والتأخير ، والمعنى : يا أيها المهتم لا تهتم بأمرنا . وتقدير البيت : يا أيتها الدار ، ثم حول المخاطبة ، أي يا هؤلاء غير هذه الدار البلى ، كما قال الله جل وعز : " حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم " [ يونس : 22 ] . ف " حسرة " منصوب على النداء ؛ كما تقول يا رجلا أقبل ، ومعنى النداء : هذا موضع حضور الحسرة . الطبري : المعنى يا حسرة من العباد على أنفسهم وتندما وتلهفا في استهزائهم برسل الله عليهم السلام . ابن عباس : " يا حسرة على العباد " أي :يا ويلا على العباد . وعنه أيضا : حل هؤلاء محل من يتحسر عليهم . وروى الربيع عن أنس عن أبي العالية أن العباد ها هنا الرسل ، وذلك أن الكفار لما رأوا العذاب قالوا : " يا حسرة على العباد " فتحسروا على قتلهم ، وترك الإيمان بهم ، فتمنوا الإيمان حين لم ينفعهم الإيمان ؛ وقاله مجاهد . وقال الضحاك : إنها حسرة الملائكة على الكفار حين كذبوا الرسل . وقيل : " يا حسرة على العباد " من قول الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ، لما وثب القوم لقتله . وقيل : إن الرسل الثلاثة هم الذين قالوا لما قتل القوم ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ، وحل بالقوم العذاب : يا حسرة على هؤلاء ، كأنهم تمنوا أن يكونوا قد أمنوا . وقيل : هذا من قول القوم قالوا لما قتلوا الرجل وفارقتهم الرسل ، أو قتلوا الرجل مع الرسل الثلاثة ، على اختلاف الروايات : يا حسرة على هؤلاء الرسل ، وعلى هذا الرجل ، ليتنا آمنا بهم في الوقت الذي ينفع الإيمان . وتم الكلام على هذا ، ثم ابتدأ فقال : " ما يأتيهم من رسول " . وقرأ ابن هرمز ومسلم بن جندب وعكرمة : " يا حسرة على العباد " بسكون الهاء للحرص على البيان وتقرير المعنى في النفس ؛ إذ كان موضع وعظ وتنبيه ، والعرب تفعل ذلك في مثله ، وإن لم يكن موضعا للوقف . ومن ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقطع قراءته حرفا حرفا ؛ حرصا على البيان والإفهام . ويجوز أن يكون " على العباد " متعلقا بالحسرة . ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف لا بالحسرة ، فكأنه قدر الوقف على الحسرة فأسكن الهاء ، ثم قال : " على العباد " أي أتحسر على العباد . وعن ابن عباس والضحاك وغيرهما : " يا حسرة العباد " مضاف بحذف " على " . وهو خلاف المصحف . وجاز أن يكون من باب الإضافة إلى الفاعل فيكون العباد فاعلين ، كأنهم إذا شاهدوا العذاب تحسروا فهو كقولك يا قيام زيد . ويجوز أن تكون من باب الإضافة إلى المفعول ، فيكون العباد مفعولين ، فكأن العباد يتحسر عليهم من يشفق لهم . وقراءة من قرأ : " يا حسرة على العباد " مقوية لهذا المعنى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.