روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{يَٰحَسۡرَةً عَلَى ٱلۡعِبَادِۚ مَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (30)

{ يا حسرة عَلَى العباد } الحسرة على ما قال الراغب الغم على ما فات والندم عليه كأن المتحسر انحسر عنه قواه من فرط ذلك أو ادركه إعياء عن تدارك ما فرط منه ، وفي البحر هي أن يركب الإنسان من شدة الندم ما لا نهاية بعده حتى يبقى حسيراً ، والظاهر أن { يا } للنداء و { عَلَيْهِمْ حَسْرَةً } هو المنادي ونداؤها مجاز بتنزيلها منزلة العقلاء كأنه قيل : يا حسرة احضري فهذا الحال من الأحوال التي من حقها أن تحضري فيها وهي ما دل عليها قوله تعالى : { مَا تَأْتِيهِم مّنْ رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يستهزئون } والمراد بالعباد مكذبو الرسل ويدخل فيهم المهلكون المتقدمون دخولاً أولياً ، وقيل : هم المراد وليس بذاك وبالحسرة المناداة حسرتهم والمستهزؤون بالناصحين المخلصين المنوط بنصحهم خير الدارين أحقاء بأن يتحسروا على أنفسهم حيث فوتوا عليها السعادة الأبدية وعوضوها العذاب المقيم ، ويؤيد هذا قراءة ابن عباس . وأبي . وعلي بن الحسين . والضحاك . ومجاهد . والحسن { حَكَمَ بَيْنَ العباد } بالإضافة ، وكون المراد حسرة غيرهم عليهم والإضافة لأدنى ملابسة خلاف الظاهر ؛ وأخرج ابن جرير . وغيره عن قتادة أنه قال في بعض القرآن { حسابهم وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِمْ } الخ .

وجوز أن تكون حسرة الملائكة عليهم السلام والمؤمنين من الثقلين ، وعن الضحاك تخصيصها بحسرة الملائكة عليهم السلام وزعم أن المراد بالعباد الرسل الثلاثة وأبو العالية فسر { العباد } بهذا أيضاً لكنه حمل الحسرة على حسرة الكفار المهلكين قال : تحسروا حين رأوا عذاب الله تعالى وتلهفوا على ما فاتهم ، وقيل : المراد بالعباد المهلكون والتحسر الرجل الذي جاء من اقصى المدينة تحسر لما وثب القوم لقتله ، وقيل : المراد بالعباد أولئك والمتحسر الرسل حين قتلوا ذلك الرجل وحل بهم العذاب ولم يؤمنوا ، ولا يخفى حال هذه الأقوال وكان مراد من قال : المتحسر الرجل ومن قال المتحسر الرسل عني أن القول المذكور قول الرجل أو قول الرسل ، في كلام أبي حيان ما هو ظاهر في ذلك ، ومع هذا لا ينبغي أن يعول على شيء مما ذكر ، وجوز أن يكون التحسر منه سبحانه وتعالى مجازاً عن استعظام ما جنوه على أنفسهم ، وأيد بأنه قرئ { خامدون يا حسرة عَلَى العباد } فإن الأصل عليها يا حسرتي فقلبت الياء ألقاً ، ونحوها قراءة ابن عباس كما قال ابن خالويه { خامدون ياحسرة عَلَى العباد } بغير تنوين فإن الأصل أيضاً يا حسرتي فقلبت الياء ألفاً ثم حذفت الألف واكتفى عنها بالفتحة ، وقرأ أبو الزناد . وابن هرمز . وابن جندب { خامدون يا حسرة عَلَى العباد } بالهاء الساكنة ، قال في المنتقى : وقف { على } وقفاً طويلاً تعظيماً للأمر ثم قيل { ياحسرة عَلَى العباد } .

وفي اللوامح وقفوا على الهاء مبالغة في التحسر لما في الهاء من التأهه كالتأوه ، ثم وصلوه على تلك الحال .

وقال الطيبي : إن العرب إذا أخبرت عن الشيء غير معتد به أسرعت فيه ولم تأت على اللفظ المعبر عنه نحو قلت لها قفي قالت لنا قاف أي وقفت فانتصرت من جملة الكلمة على حرف منها تهاوناً بالحال وتثاقلاً عن الإجابة ، ولا يخفى أن هذا لا يناسب المقام ، وينبغي على هذه القراءة أن لا يكون { عَلَى العباد } متعلقاً بحسرة أو صفة له إذ لا يحسن الوقف حينئذ بل يجعل متعلقاً بمضمر يدل عليه { حَسْرَةً } نحو يتحسر أو أتحسر على العباد ، وتقدير انظروا ليس بذاك أو خبر مبتدأ محذوف لبيان المتحسر عليه أي الحسرة على العباد وتخريج قراءة { *يا حسرتا } بالألف على هذا الطرز بأن يقال : قدر الوقف على المنصوب المنون فإنه يوقف عليه بالألف { كان الله على كل شيء قديرا } [ الأحزاب : 27 ] وضرب زيد عمراً ليس بشيء ولو سلم أنه شيء لا ينافي التأييد ، وقيل { *يا } للنداء والمنادي محذوف و { عَلَيْهِمْ حَسْرَةً } مفعول مطلق لفعل مضمر و { عَلَى العباد } متعلق بذلك الفعل أي يا هؤلاء تحسروا حسرة على العباد .

ولعل الأوفق للمقام المتبادر إلى الأفهام أن المراد نداء حسرة كل من يتأتى منه التحسر ففيه من المبالغة ما فيه .

وقوله تعالى : { مَا يَأْتِيهِمْ } الخ استئناف لبيان ما يتحسر منه ، و { بِهِ } متعلق ب : يستهزئون . وقدم عليه للحصر الادعائي وجوز أن يكون لمراعاة الفواصل .