معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞لَّئِن لَّمۡ يَنتَهِ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلٗا} (60)

قوله عز وجل :{ لئن لم ينته المنافقون } عن نفاقهم ، { والذين في قلوبهم مرض } فجور ، يعني الزنا { والمرجفون في المدينة } بالكذب ، وذلك أن ناساً منهم كانوا إذا خرجت سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقعون في الناس الرعب ، وإذا التحم القتال ولوا انهزموا ، ويقولون : قد أتاكم العدو ونحوها . وقال الكلبي : كانوا يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ويفشون الأخبار . { لنغرينك بهم } لنحرشنك بهم ولنسلطنك عليهم ، { ثم لا يجاورونك فيها } لا يساكنونك في المدينة { إلا قليلاً } حتى يخرجوا منها ، وقيل : لنسلطنك عليهم حتى تقتلهم وتخلي منهم المدينة .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{۞لَّئِن لَّمۡ يَنتَهِ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلٗا} (60)

{ لئن لم ينته المنافقون } الآية : تضمنت وعيد هؤلاء الأصناف إن لم ينتهوا ، وقيل : إنهم لم ينتهوا : ولم ينفذ الوعيد عليهم ، ففي ذلك دليل على بطلان القول بوجوب إنفاذ الوعيد في الآخرة ، وقيل : إنهم انتهوا وستروا أمرهم ، فكف عنهم إنفاذ الوعيد ، والمنافقون هم الذين يظهرون الإيمان ويخفون الكفر ، والذين في قلوبهم مرض : قوم كان فيهم ضعف إيمان ، وقلة ثبات عليه ، وقيل : هم الزناة : كقوله { فيطمع الذي في قلبه مرض } [ الأحزاب : 32 ] ، والمرجفون في المدينة : قوم كانوا يشيعون أخبار السوء ويخوفون المسلمين ، فيحتمل أن تكون هذه الأصناف متفرقة ، أو تكون داخلة في جملة المنافقين ، ثم جردها بالذكر .

{ لنغرينك بهم } أي : نسلطك عليهم وهذا هو الوعيد .

{ ثم لا يجاورونك فيها } ذلك لأنه ينفيهم أو يقتلهم ، والضمير المجرور للمدينة .

{ إلا قليلا } يحتمل أن يريد إلا جوارا قليلا ، أو وقتا قليلا ، أو عددا قليلا منهم ، والإعراب يختلف بحسب هذه الاحتمالات ، فقليلا ، على الاحتمال الأول : مصدر ، وعلى الثاني : ظرف ، وعلى الثالث : منصوب على الاستثناء .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{۞لَّئِن لَّمۡ يَنتَهِ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلٗا} (60)

ولما كان المؤذون{[56081]} بما مضى وغيره أهل النفاق ومن داناهم ، حذرهم بقوله مؤكداً دفعاً لظنهم دوام الحلم عنهم : { لئن لم ينته } أي عن الأذى { المنافقون } أي {[56082]}الذين يبطنون{[56083]} الكفر ويظهرون الإسلام { والذين في قلوبهم مرض } أي{[56084]} مقرب من النفاق حامل على المعاصي { والمرجفون في المدينة } وهم الذين يشيعون الأخبار المخيفة لأهل الإسلام التي تضطرب لها{[56085]} القلوب سواء كانوا من القسمين الأولين أم{[56086]} لا { لنغرينك بهم } بأن نحملك على أن تولع بهم{[56087]} بأن نأمرك بإهانتهم ونزيل الموانع من ذلك ، ونثبت الأسباب الموصلة إليه حتى تصير لاصقاً بجميع أموالهم لصوق الشيء الذي يلحم بالغراء فلا يقدروا على الانفكاك عن شيء مما تفعله بهم إلا بالبعد من المدينة بالموت أو الرحيل إلى غيرها ، وهذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما كما رواه عنه البخاري{[56088]} : لنسلطنك .

ولما كان نزوحهم عن المدينة مستبعداً عنهم جداً ، وكان أعظم رتبة في أذاهم من غيره ، لأن الإخراج من الأوطان من أعظم الهوان ، أشار إليه بأداة التراخي فقال : { ثم لا يجاورونك فيها } أي بعد محاولتك لهم { إلا قليلاً * } أي من الزمان بقدر ما يمكن لك المضارب فتعظم عليهم المصائب .


[56081]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: المأذون.
[56082]:من م ومد، وفي الأصل وظ: الذي يظنون.
[56083]:من م ومد، وفي الأصل وظ: الذي يظنون.
[56084]:زيد في الأصل: على، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[56085]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: إليها.
[56086]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أو.
[56087]:زيد من ظ وم ومد.
[56088]:راجع الصحيح 2/707.