روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{۞لَّئِن لَّمۡ يَنتَهِ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلٗا} (60)

{ لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون } عما هم عليه من النفاق وأحكامه الموجبة للإيذاء { والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } وهم قوم كان فيهم ضعف إيمان وقلة ثبات عليه عما هم عليه من التزلزل وما يستتبعه مما لا خير فيه { والمرجفون فِى المدينة } من اليهود المجاورين لها عما هم عليه من نشر أخبار السوء عن سرايا المسلمين وغير ذلك من الأراجيف الملفقة المستتبعة للأذية ، وأصل الأرجاف التحريك من الرجفة التي هي الزلزلة وصفت به الأخبار الكاذبة لكونها في نفسها متزلزلة غير ثابتة أو لتزلزل قلوب المؤمنين واضطرابها منها ، والغاير بين المتعاطفات على ما ذكرنا بالذات وهو الذي يقتضيه ظاهر العطف .

وأخرج ابن المنذر . وغيره عن مالك بن دينار قال : سالت عكرمة عن الذين في قلوبهم مرض فقال : هم أصحاب الفواحش ، وعن عطاء أنه فسرهم بذلك أيضاً ، وفي رواية أخرى عنه أنه قال : هو قوم مؤمنون كان في أنفسهم أن يزنوا فالمرض حب الزنا ، وإذا فسر المرجفون على ذلك بما سمعت يكون التغاير بين المتعاطفات بالذات أيضاً .

وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب أن الذين في قلوبهم مرض هم المنافقون وهو المعروف في وصفهم .

وأخرج هو أيضاً عن عبيد بن حنين أن الذين في قلوبهم مرض والمرجفون جميعاً هم المنافقون فيكون العطف مع الاتحاد بالذات لتغاير الصفات على حد

هو الملك القرم وابن الهمام *** فكأنه قيل : لئن لم ينته الجامعون بين هذه الصفات القبيحة عن الاتصاف بها المفضي إلى الإيذاء { لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ } أي لندعونك إلى قتالهم وإجلائهم أو فعل ما يضطرهم إلى الجلاء ونحرضك على ذلك يقال : أغراه بكذا إذا دعاه إلى تناوله بالتحريض عليه ، وقال الراغب : غرى بكذا أي لهج به ولصق ، وأصل ذلك من الغراء وهو ما يلصق به وقد أغريت فلاناً بكذا ألهجت به ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أي لنسلطنك عليهم { ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ } عطف على جواب القسم وثم للتفاوت الرتبي والدلالة على أن الجلاء ومفارقة جوار الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم ما يصيبهم وأشده عندهم { فِيهَا } أي في المدينة { إِلاَّ قَلِيلاً } أي زماناً أو جواراً قليلاً ريثما يتبين حالهم من الانتهاء وعدمه أو يتلقطون عيالاتهم وأنفسهم .

وفي الآية عليه كما في «الانتصاف » إشارة إلى أن من توجه عليه إخلاء منزل مملوك للغير بوجه شرعي يمهل ريثما ينتقل بنفسه ومتاعه وعياله برهة من الزمان حتى يتيسر له منزل آخر على حسب الاجتهاد ، ونصب { قَلِيلاً } على ما أشرنا إليه على الظرفية أو المصدري ، وجوز أن يكون نصباً على الحال أي إلا قليلين أطلاء ، ولا يخفى حاله على ذي تمييز .