معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ} (4)

{ الذي أطعمهم من جوع } أي من بعد جوع بحمل الميرة إلى مكة ، { وآمنهم من خوف } بالحرم ، وكونهم من أهل مكة حتى لم يتعرض لهم في رحلتهم . وقال عطاء عن ابن عباس : إنهم كانوا في ضر ومجاعة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين ، وكانوا يقسمون ربحهم بين الفقير والغني ، حتى كان فقيرهم كغنيهم . قال الكلبي : وكان أول من حمل السمراء من الشام ورحل إليها الإبل هاشم بن عبد مناف ، وفيه يقول الشاعر :

قل للذي طلب السماحة والندى*** هلا مررت بآل عبد مناف

هلا مررت بهم تريد قراهم*** منعوك من ضر ومن أكفاف

الرائشين وليس يوجد رائش*** والقائلين هلم للأضياف

والخالطين فقيرهم بغنيهم*** حتى يكون فقيرهم كالكافي

والقائمين بكل وعد صادق*** والراحلين برحلة الإيلاف

عمرو العلا هشم الثريد لقومه*** ورجال مكة مسنتون عجاف

سفرين سنهما له ولقومه*** سفر الشتاء ورحلة الأصياف

وقال الضحاك والربيع وسفيان : { وآمنهم من خوف } من خوف الجذام ، فلا يصيبهم ببلدهم الجذام .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ} (4)

{ الذي أطعمهم من جوع } يحتمل أن يريد إطعامهم بسبب الرحلتين ، فقد روي : أنهم كانوا قبل ذلك في شدة وضيق حال حتى أكلوا الجيف ، ويحتمل أن يريد إطعامهم على الإطلاق ، فقد كان أهل مكة ساكنين بواد غير ذي زرع ، ولكن الله أطعمهم مما يجلب إليهم من البلاد ، بدعوة أبيهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وهو قوله : { وارزقهم من الثمرات } [ إبراهيم : 37 ] .

{ وآمنهم من خوف } يحتمل أن يريد آمنهم من خوف أصحاب الفيل ، ويحتمل أن يريد آمنهم في بلدهم بدعوة إبراهيم في قوله : { رب اجعل هذا بلدا آمنا } [ البقرة : 126 ] وقد فسرناه في موضعه ، أو يعني : آمنهم في أسفارهم ؛ لأنهم كانوا في رحلتهم آمنين لا يتعرض لهم أحد بسوء ، وكان غيرهم من الناس تؤخذ أموالهم وأنفسهم . وقيل : آمنهم من الجذام ، فلا يرى بمكة مجذوما . قال الزمخشري : التنكير في جوع وخوف لشدتهما .