غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ} (4)

1

وفي الإطعام وجوه :

أحدها : ما مر .

والثاني : قول مقاتل : شق عليهم الذهاب إلى اليمن والشام في الشتاء والصيف لطلب الرزق ، فقذف الله تعالى في قلوب الحبشة أن حملوا الطعام إلى مكة حتى خرجوا إليهم بالإبل والحمر ، واشتروا طعامهم من جدة على مسيرة ليلتين ، وتتابع ذلك فكفاهم الله مؤنة الرحلتين . والثالث : قال الكلبي : معنى الآية أنهم لما كذبوا محمد صلى الله عليه وسلم دعا عليهم فقال : " اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف " . فاشتد عليهم القحط ، وأصابهم الجهد ، فقالوا : يا محمد ، ادع الله ، فإنّا مؤمنون . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخصب أهل مكة ، فذلك قوله { أطعمهم من جوع } . ووجه المنة بالإطعام مع أنه ليس من أصول النعم في الظاهر أنه سبب الفراغ للعبادة ، وفيه أن البهيمة تطيع من يعلفها ، ولا يليق بالإنسان أن يكون دون الأنعام ، على أنه يندرج في الإطعام النعم السابقة التي لا يحصل الغذاء إلا بعد وجودها ، كالأفلاك والعناصر وغيرها ، والنعم اللاحقة التي لا يتم الانتفاع بالأكل إلا بها من القوى والآلات البدنية والخارجية . وفي قوله { من جوع } إشارة إلى أن فائدة الطعام والغاية منه سد الجوعة لا الإشباع التام . وأما الأمن فهو قصة أصحاب الفيل ، أو تعرض أهل النواحي لهم ، وكانوا بعد وقعة أصحاب الفيل يعظمونهم ولا يتعرّضون لهم . وقال الضحاك والربيع : آمنهم من خوف الجذام . وقيل : من أن تكون الخلافة في غيرهم ، وفيه تكلف . وقيل : أطعمهم من جوع الجهل بطعام الإسلام والوحي ، وآمنهم من خوف الضلال ببيان الهدى . وقيل : إشارة إلى ما دعا به إبراهيم عليه السلام في قوله { ربّ اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم } [ البقرة :126 ] فأجاب الله تعالى بقوله { ومن كفر } [ البقرة :126 ] والتنكير في { جوع } و { خوف } للتعظيم . وقد روي أنه أصابهم شدة حتى أكلوا الجيف والعظام المحرقة ، وأما الخوف فهو الخوف الشديد الحاصل من أصحاب الفيل . ويحتمل أن يكون المراد التقليل ، أي أطعمهم من جوع دون جوع ، ليكون الجوع الثاني والخوف الثاني مذكراً لما كانوا فيه أولاً ، فيكونوا شاكرين تارة ، وصابرين أخرى ، فيستحقوا ثواب الخصلتين .

/خ4