السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ} (4)

ثم وصف نفسه الأقدس بما هو ثمرة الرحلتين ، ومظهر لزيادة شرف البيت بقوله تعالى : { الذي أطعمهم } أي : قريشاً بحمل الميرة إلى مكة بالرحلتين إطعاماً ، مبتدأ { من جوع } أي : عظيم فيه غيرهم من العرب ، أو كانوا هم فيه قبل ذلك ؛ لأنّ بلدهم ليس بذي زرع فهم عرضة للفقر الذي ينشأ عنه الجوع ، فكفاهم ذلك وحده ، ولم يشركه أحد في كفايتهم فليس من الشكر إشراكهم غيره معه في عبادته ، ولا من البر بأبيهم إبراهيم عليه السلام الذي دعا لهم بالرزق بقوله عليه السلام : { وارزقهم من الثمرات } [ إبراهيم : 37 ] ونهى أشدّ النهي عن عبادة الأصنام ، ولم يقل أشبعهم ؛ لأنه ليس كلهم كان يشبع منهم طالب لأكثر مما هو عنده ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب { وآمنهم } أي : تخصيصاً لهم { من خوف } أي : شديد جدّاً من أصحاب الفيل الذين أرادوا خراب البيت الذي به نظامهم ، وما ينال من حولهم من التخطف بالقتل والنهب والغارات ، ومن الجذام بدعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام ، ومن الطاعن والدخان بتأمين النبيّ صلى الله عليه وسلم .

وعن ابن زيد : كانت العرب يغير بعضها على بعض ، ويسبي بعضهم بعضاً ، فأمنت قريش ذلك لمكان الحرم . وقيل : شق عليهم السفر في الشتاء والصيف ، فألقى الله تعالى في قلوب الحبشة أن يحملوا إليهم طعاماً في السفن ، فحملوا فخافت قريش منهم ، وظنوا أنهم قدموا لحربهم ، فخرجوا إليهم متحرزين ، فإذا هم قد جلبوا إليهم الطعام ، وأعانوهم بالأقوات ، فكان أهل مكة يخرجون إلى جدّة بالإبل والحمر فيشترون الطعام على مسيرة ليلتين . وقيل : إنّ قريشاً لما كذبوا النبيّ صلى الله عليه وسلم دعا عليهم فقال : «اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف » ، فاشتدّ القحط فقالوا : يا محمد ، ادع الله لنا ، فإنا مؤمنون . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخصبت تبالة وجرش من بلاد اليمن ، فحملوا الطعام إلى مكة وأخصب أهلها » . وقال الضحاك والربيع في قوله تعالى : { وآمنهم من خوف } ، أي : من خوف الحبشة . وقال عليّ : { وآمنهم من خوف } أن تكون الخلافة إلا فيهم . قال الزمخشريّ : من بدع التفاسير { وآمنهم من خوف } أن تكون الخلافة في غيرهم اه . لكن إن ثبت ذلك عن علي كرم الله وجهه فليس كما قال ، وقيل : كفاهم أخذ الإيلاف من الملوك .

ختام السورة:

وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ سورة لإيلاف قريش أعطاه الله عشر حسنات بعدد من طاف بالكعبة واعتكف بها » حديث موضوع .