محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ} (4)

{ الذي أطعمهم من جوع } أي جوع شديد كانوا فيه قبل الرحلتين ف ( من ) تعليلية . أي أنعم عليهم وأطعمهم لإزالة الجوع عنهم ، أو بدلية { وآمنهم من خوف } أي مما يخاف منه من لم يكن من أهل الحرم من الغارات والحروب والقتال ، والأمور التي كانت العرب تخاف بعضها من بعض . قال ابن زيد : كانت العرب يغير بعضها على بعض ، ويسبي بعضها بعضا ، فأمنوا من ذلك لمكان الحرم ، وقرأ {[7552]} { أو لم نمكن لهم حرما ءامنا يجبى إليه ثمرات كل شيء } ونظيره أيضا قوله تعالى {[7553]} { أو لم يروا أنا جعلنا حرما ءامنا ويتخطف الناس من حولهم } .

تنبيه :

زعم بعض الناس أن اللام في { لإيلاف } متعلق بما قبله ، أي ( فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش ) قال الشهاب : وعلى هذا لابد من تأويله ، والمعنى أهلكهم ولم يسلط على أهل حرمه ليبقوا على ما كانوا عليه ، أو أهلك من قصدهم ليعتبر الناس ولا يجترىء عليهم أحد ، فيتم لهم الأمن في الإقامة والسفر ، أو هي لام العاقبة . انتهى .

ولا يخفى ما فيه من التكلف ، لذا قال ابن جرير{[7554]} في رده : وأما القول الذي قاله من حكينا قوله أنه من صلة قوله { فجعلهم كعصف مأكول } ، فإن ذلك لو كان كذلك لوجب أن يكون { إيلاف } بعض { ألم تر } ، وأن لا تكون سورة منفصلة من { ألم تر } ، وفي إجماع جميع المسلمين على أنهما سورتان تامتان كل واحدة منهما منفصلة عن الأخرى ما يبين عن فساد القول الذي قاله من قال ذلك ، ولو كان قوله { لإيلاف قريش } من صلة قوله { فجعلهم كعصف مأكول } لم تكن { ألم تر } تامة حتى توصل بقوله { لإيلاف قريش } ؛ لأن الكلام لا يتم إلا بانقضاء الخبر الذي ذكر . انتهى .


[7552]:28/ القصص/ 57.
[7553]:29 / العنكبوت / 67.
[7554]:انظر الصفحة رقم 3.06 من الجزء الثلاثين (طبعة الحلبي الثانية).