اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ} (4)

{ الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ } ، أي : من أجل الجوع ، و «آمنهم » من أجل الخوف ، والتنكير للتعظيم أي : من جوع عظيم وخوف عظيم .

وقال أبو البقاء{[60907]} : ويجوز أن يكون في موضع الحال من مفعول «أطْعَمَهُمْ » .

وأخفى نون «من » في الخاء : نافع في رواية ، وكذلك مع العين ، نحو : «من على » ، وهي لغة حكاها سيبويه{[60908]} .

فصل في مكانة قريش

قال ابنُ عبَّاسٍ : وذلك بدعوة إبراهيم - عليه السلام - حيث قال : { رَبِّ اجعل هذا بَلَداً آمِناً وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات }{[60909]} [ البقرة : 126 ] .

وقال ابن زيد : كانت العرب يغيرُ بعضها على بعض ، ويسبي بعضها من بعض ، فأمنت قريش من ذلك لمكان الحرم{[60910]} .

وقيل : شق عليهم السَّفر في الشتاء والصيف ، فألقى الله - تعالى - في قلوب الحبشة أن يحملوا إليهم طعاماً في السَّفر ، فخافت قريش منهم ، وظنُّوا أنهم خرجوا لحربهم ، فخرجوا إليهم متحرزين ، فإذا هم قد جلبوا لهم الطعام ، وأعانوهم بالأقوات ، فكان أهلُ «مكة » يخرجون إلى «جدة » بالإبل والحمر فيشترون الطعام على مسيرة ليلتين .

وقيل : إن قريشاً لما كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم ، فقال : «اللَّهُم اجْعلهَا عَليهِمْ سِنيْنَ كَسني يُوسُفَ » فاشتد القحط ، فقالوا : يا محمد ، ادعُ الله لنا فإنا مؤمنون ، فدعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخصبت «تبالة » ، و«جرش » من بلاد «اليمن » ، فحملوا الطعام إلى «مكة » ، وأخصب أهلها .

وقال الضحاك وربيع وشريك وسفيان : وآمنهم من خوف الحبشة مع الفيل .

وقال علي رضي الله عنه : وآمنهم من أن تكون الخلافة إلا فيهم .

وقيل : كفاهم أخذ الإيلاف من الملوك{[60911]} .

ختام السورة:

روى الثعلبي عن أبيّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَرَأ سُورَة { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } أعطِيَ من الأجْرِ حَسناتٍ بعَددِ مَنْ طَافَ بالكَعْبَةِ ، واعْتكَفَ بِهَا »{[1]} والله أعلم .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[60907]:الإملاء 2/295.
[60908]:ينظر: الكتاب 2/413.
[60909]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/703)، عن ابن عباس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/678)، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.
[60910]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/704)، عن ابن زيد.
[60911]:ينظر تفسير القرطبي (20/142).