معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَٰمٞ وَٱلۡبَحۡرُ يَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ سَبۡعَةُ أَبۡحُرٖ مَّا نَفِدَتۡ كَلِمَٰتُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (27)

قوله سبحانه وتعالى :{ ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام } الآية . قال المفسرون : " نزلت بمكة ، قوله سبحانه وتعالى : { ويسألونك عن الروح } إلى قوله : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا : يا محمد ، بلغنا عنك أنك تقول : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } أفعنيتنا أم قومك ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : كلا قد عنيت ، قالوا : ألست تتلو فيما جاءك أنا أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي في علم الله قليل وقد آتاكم الله ما إن عملتم به انتفعتم ، قالوا : يا محمد كيف تزعم هذا وأنت تقول : { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً } فكيف يجتمع هذا علم قليل وخير كثير ؟ فأنزل الله هذه الآية " . قال قتادة : إن المشركين قالوا : إن القرآن وما يأتي به محمد يوشك أن ينفد فينقطع ، فنزلت : { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام } أي : بريت أقلاماً ، { والبحر يمده } قرأ أبو عمرو ويعقوب : والبحر بالنصب عطفاً على ما ، والباقون بالرفع على الاستئناف { يمده } أي : يزيده ، وينصب فيه { من بعده } من خلفه ، { سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله } وفي الآية اختصار تقديره : ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر يكتب بها كلام الله ما نفدت كلمات الله . { إن الله عزيز حكيم } وهذه الآية على قول عطاء بن يسار مدنية ، وعلى قول غيره مكية ، وقالوا : إنما أمر اليهود وفد قريش أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولوا له ذلك وهو بعد بمكة ، والله أعلم .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَٰمٞ وَٱلۡبَحۡرُ يَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ سَبۡعَةُ أَبۡحُرٖ مَّا نَفِدَتۡ كَلِمَٰتُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (27)

{ ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام } [ لقمان : 27 ] إخبار بكثرة كلمات الله والمراد اتساع علمه ومعنى الآية أن شجر الأرض لو كانت أقلاما ، والبحر لو كان مدادا يصب فيه سبعة أبحر صبا دائما وكتبت بذلك كلمات الله لنفدت الأشجار والبحار ولم تنفد كلمات الله ، لأن الأشجار والبحار متناهية ، وكلمات الله غير متناهية .

فإن قيل : لم يقل والبحر مدادا كما قال في الكهف : { قل لو كان البحر مدادا } [ الكهف : 109 ] ؟ فالجواب : أنه أغنى عن ذلك قوله : { يمده } لأنه من قولك : مد الدواة وأمدها . فإن قيل : لم قال من شجرة ولم يقل من شجر باسم الجنس الذي يقتضي العموم ؟ فالجواب أنه أراد تفصيل الشجر إلى شجرة حتى لا يبقى منها واحدة .

فإن قيل : لم قال : كلمات الله ولم يقل كلم الله بجمع الكثرة ؟ فالجواب : أن هذا أبلغ لأنه إذا لم تنفد الكلمات مع أنه جمع قلة ، فكيف ينفد الجمع الكثير وروي : أن سبب الآية أن اليهود قالوا : قد أوتينا التوراة وفيها العلم كله فنزلت الآية لتدل أن ما عندهم قليل من كثير ، والآية على هذا مدنية ، وقيل : إن سببها أن قريشا قالوا : إن القرآن سينفد .