جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَلَوۡ أَنَّمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَٰمٞ وَٱلۡبَحۡرُ يَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ سَبۡعَةُ أَبۡحُرٖ مَّا نَفِدَتۡ كَلِمَٰتُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (27)

{ وَلَوْ{[4012]} أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ } ، عطف على محل ( أن ما في الأرض ) فإنه في المعنى فاعل لثبت المقدر بعد لو ، { يَمُدُّهُ } أي : البحر وهو حال أو البحر مبتدأ ويمده خبره ، والواو للحال من غير ضعف ، { مِن بَعْدِهِ } أي : بعد ذلك البحر ، { سَبْعَةُ أَبْحُرٍ } ، فاعل يمده وهي للتكثير لا للحصر ، وقد نقل أن في العالم سبعة أبحر محيطة بالعالم ، { مَّا نَفِدَتْ{[4013]} كَلِمَاتُ اللَّهِ } يعني لو ثبت أن أشجار الأرض أقلام ، والبحر ممدود بسبعة أبحر وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات علم الله وحكمته لما نفدت ونقدت الأقلام والمداد وهو كقوله{[4014]} :

( نعم العبد صهيب لو لم يخف لم يعصه ){[4015]} نزلت حين قال أحبار اليهود : يا محمد بلغنا أنك تقول ، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أفعنيتنا أم قومك ؟ فقال : كلا ، فقالوا : إنك تتلوا إنا قد أوتينا التوراة ، وفيها تبيان كل شيء ، فقال عليه السلام : هي في علم الله قليل ، وقد آتاكم ما إن علمتم به انتفعتم ، وهذا يقتضي أن الآية مدنية ، والمشهور أنها مكية ، قال بعض السلف : أمر اليهود وفد قريش أن يسألوه وهو بمكة ، { إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ } : لا يعجزه شيء ، { حَكِيمٌ } : في جميع شئونه ،


[4012]:ولما أثبت أنه غني حميد أخذ يبين أن لا حدّ لغناه، ولا ضبط ولا حصر لمعلوماته الموجبة لحمده فقال: {ولو أن ما في الأرض} الآية /12 وجيز.
[4013]:قوله تعالى: {ما نفدت كلمات الله} فكلمات الله لا نهاية لها فإن قيل هذا تسلسل، فيقال: هذا ليس تسلسلا في الفاعلين والعلل الفاعلية، فإن هذا ممتنع باتفاق العقلاء، بل هو تسلسل في الآثار والأفعال وحصول شيء بعد شيء وهذا محل النزاع، فالسلف يقولون: لم يزل متكلما إذا شاء وكما شاء، وقد قال تعالى: {قل لو كان البحر} إلى {ولو جئنا بمثله مددا} فكلمات الله لا نهاية لها، وهذا تسلسل جائز كالتسلسل في المستقبل، فإن نعيم الجنة دائم لا نفاد له فما من شيء إلا وبعده شيء بلا نهاية /12 شيخ الإسلام، وقال الحافظ ابن القيم في النونية: فلئن زعمتم أن ذاك تسلسل *** قلنا صدقتم وهو ذو إمكان كتسلسل التأثير في مستقبل *** هل بين ذينك قط من فرقان والله ما افترقا لدى عقل ولا *** نقل ولا نظر ولا برهان في سلب إمكان ولا في ضده *** هذي العقول ونحن ذو أذهان فليأت بالفرقان من هو فارق *** فرقا يبين لصالح الأذهان إلى أن قال: فلئن سألت وقلت ما هذا الذي *** إذا هم بخلاف ذا التبيان ولأي شيء لم يقولوا إنه *** سبحانه هو دائم الإحسان فاعلم بأن القوم لما أسسوا *** أصل الكلام عموا عن القرآن وعن الحديث ومقتضى المعقول بل *** عن فطرة الرحمن والبرهان بنوا قواعدهم عليه فقادهم *** قسرا إلى التعطيل والبطلان نفي القيام لكل أمر حادث *** بالرب خوف تسلسل الأعيان فيسد ذاك عليهم في زعمهم *** إثبات صانع هذه الأكوان إذا أثبتوه بكون الأجسام حا *** دثة فلا تنفك عن حدثان فإذا تسلسلت الحوادث لم يكن *** لحدوثها إذ ذاك من برهان فلأجل ذا قالوا التسلسل باطل *** والجسم لا يخلو عن الحدثان إلى أن قال: هذا الدليل هو الذي أرداهم *** بل هد كل قواعد القرآن وهو الدليل الباطل المردود *** عنه أئمة التحقيق والعرفان مازال أمر الناس معتدلا إلى *** أن دار في الأوراق والأذهان وتمكنت أجزاؤه بقلوبهم *** فأتت لوازمه إلى الإيمان رقعت قواعده ونحت أسه *** فهوى البناء فخر للأركان إلى أن قال: أيكون حقا ذا الدليل وما اهتدى *** خير القرون محال ذان وفقتموا للحق إذا حرموه في *** أصل اليقين ومقعد العرفان وهديتمونا للذي لم يهتدوا *** أبدا به وأشدة الحرمان وخلتم للحق من باب وما *** دخلوه واعجبا لذي الخذلان وسلكتموا طرق الهدى والعلم *** دون القوم واعجبا لذا البهتان وعرفتم الرحمن بالأجسام *** والأعراض والحركات والألوان وهم عرفوه منها بل من *** الآيات وهي فغير ذي برهان الله أكبر أنتم أو هم على *** حق وفي غي وفي خسران دع ذا أليس الله قد أبدى لنا *** حق الأدلة وهي في القرآن متنوعات صرفت وتظاهرت *** في كل وجه فهي ذوا أفنان معلومة للعقل أو مشهودة *** للحس أو في فطرة الرحمن إلى آخر ما بين وفصل وميز الحق عن الباطل والصواب عن الخطأ فجزاه الله خير الجزاء /12.
[4014]:بيانه أن ما هو علة للنفاد لو وجد يكون علة لعدم النفاد فكيف لو لم يوجد علة للنفاد! فافهم /12 منه.
[4015]:ذكره العجلوني في (كشف الخفاء) (2/391) وقال: (اشتهر في كلام الأصوليين وأصحاب المعاني وأهل العربية من حديث عمر، وبعضهم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم-، وذكره البهاء السبكي أنه لم يظفر به بعد البحث، وكذا كثير من أهل اللغة، لكن نقل في المقاصد عن الحافظ ابن حجر أنه ظفر به في مشكل الحديث لابن قتيبة من غير إسناد.