{ ولو أن } جميع { ما في الأرض من شجرة أقلام } وحد الشجرة لما تقرر في علم المعاني أن استغراق المفرد أشمل ، قيل : وتوحيد شجرة لأن المراد تفصيل الشجر ، واستقصاؤه ، فكأنه قال : كل شجرة شجرة حتى لا تبقى من جنس الشجر واحدة إلا وقد بريت أقلام ، ولو لم يفرد لم يفد هذا المعنى إذ الجمع يتحقق بما فوق الثلاثة ، إلا أن تدخل عليه لام الاستغراق هكذا قرروه ، قال الشهاب : وفيه بحث فان إفادة المفرد التفصيل بدون تكرار أو الاستغراق بدون نفي محل نظر ، لأنه إنما عهد ذلك في نحو جاءوني رجلا رجلا وما عندي تمرة . قال أبو حيان : وهو من وقوع المفرد موقع الجمع ، والنكرة موقع المعرفة ، كقوله : ما ننسخ من آية ، وجمع الأقلام لقصد التكثير ، أي : ولو أن يعد كل شجرة من الشجر أقلاما ، ثم قال سبحانه :
{ والبحر } أي المحيط لأنه المتبادر من التعريف ، إذ هو الفرد الكامل قرئ البحر بالرفع على أنه مبتدأ ، وخبره يمده ، وبالنصب عطفا على اسم أن ، أو بفعل مضمر فسره { يمده من بعده } أي : بعد نفاده { سبعة أبحر } أي : والحال أن البحر المحيط مع سعته يمده السبعة الأبحر مدا لا ينقطع ، كذا قال سيبويه . وقال المبرد : إن البحر مرتفع بفعل مقدر ، تقديره : ولو ثبت البحر حال كونه تمده من بعده سبعة أبحر ، وقرئ : يمده من أمد وقرئ : بحر مداده ، وجواب لو :
{ ما نفدت كلمات الله } التي هي عبارة عن معلوماته ، لأنها لا نهاية لها ، قال أبو علي الفارسي : المراد بالكلمات –والله أعلم- ما في المقدور والإمكان ، دون ما خرج منه إلى الوجود والزمان ، ووافقه القفال ، فقال : المعنى : أن الأشجار لو كانت أقلاما ، والبحار مدادا ، فكتب بها عجائب صنع الله تعالى ، الدالة على قدرته ووحدانيته ، لم تنفد تلك العجائب . قال القشيري : رد القفال معنى الكلمات إلى المقدورات ، وحمل الآية على الكلام القديم أولى ، والمخلوق لا بد له من نهاية ، وإذا نفيت النهاية فهي نفي للنهاية عما يقدر في المستقبل على إيجاده ، فأما ما حصره الوجود وعده فلا بد من تناهيه ، والقديم لا نهاية له على التحقيق .
قال النحاس : قد تبين أن الكلمات هاهنا يراد بها العلم وحقائق الأشياء ، لأنه جل وعلا علم قبل أن يخلق الخلق ما هو خالق في السماوات والأرض من شيء ، وعلم ما فيه من مثاقيل الذر ، وعلم الأجناس كلها ، وما فيها من شعرة وعضو ، وما في الشجرة من ورق ، وما فيها من ضروب الخلق . وقيل : إن قريشا قالت : ما أكثر كلام محمد ؟ فنزلت قاله السدي .
وعن ابن مسعود قال : إن أحبار اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة : " يا محمد أرأيت قولك : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ، إيانا تريد ؟ أم قومك ؟ " فقال : كلا ، فقالوا : ألست تتلوا فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة ، وفيها تبيان كل شيء ؟ فقال : " إنها في علم الله قليل ، وأنزل الله ولو أن ما في الأرض . . . الآية " أخرجه ابن اسحق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم . قال أبو عبيدة : المراد بالبحر هنا : الماء العذب الذي ينبت الأقلام ، وأما المالح فلا ينبتها ، قال الشوكاني : ما أسقط هذا الكلام وأقل جدواه { إن الله عزيز حكيم } أي : غالب لا يعجزه شيء ولا يخرج عن حكمته وعلمه فرد من أفراد مخلوقاته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.