النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَلَوۡ أَنَّمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَٰمٞ وَٱلۡبَحۡرُ يَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ سَبۡعَةُ أَبۡحُرٖ مَّا نَفِدَتۡ كَلِمَٰتُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (27)

قوله تعالى : { وَلَو أَنّ َمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ . . } الآية . وفي سبب نزولها قولان :

أحدهما : ما رواه سعيد عن قتادة أن المشركين قالوا إنما هو كلام -يعني القرآن- يوشك أن ينفد ، فأنزل الله هذه الآية{[2192]} يعني أنه لو كان شجر البر أقلاماً ومع البحر سبعة أبحر مداداً لتكسرت الأقلام ونفد ماء البحور قبل أن تنفد عجائب ربي وحكمته وعلمه .

الثاني : ما رواه ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة قالت له أحبار اليهود يا محمد أرأيت قولك :

{ وَمَا أُوتِيْتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }

[ الإٍسراء : 85 ] إِيانا تريد أم قومك ؟ قال : " كُلٌ لَمْ يُؤْتَ مِنَ الُعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً أَنْتُم وَهُمْ " قالوا : فإنك تتلو فيما جاءك من الله أنَّا قد أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّهَا فِي عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ " فنزلت هذه الآية .

ومعنى : { . . . يَمُدُّهُ . . . } أي يزيد فيه شيئاً بعد شيء فيقال في الزيادة مددته وفي المعونة أمددته .

{ . . . مَا نَفَدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ } ونفاد الشيء هو فناء آخره بعد نفاد أوله فلا يقال لما فني جملة : نفد .

وفي { كَلِمَاتُ اللُّهِ } هنا أربعة أوجه :

أحدها : أنها نعم الله على أهل طاعته في الجنة .

الثاني : على أصناف خلقه .

الثالث : جميع ما قضاه في اللوح المحفوظ من أمور خلقه .

الرابع : أنها علم الله .


[2192]:أخرجه أبو الشيخ وابن جرير.