الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَلَوۡ أَنَّمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَٰمٞ وَٱلۡبَحۡرُ يَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ سَبۡعَةُ أَبۡحُرٖ مَّا نَفِدَتۡ كَلِمَٰتُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (27)

قوله عزّ وجلّ : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ } الآية . قال المفسِّرون : سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرّوح فأنزل الله بمكّة :

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ } [ الإسراء : 85 ] الآية ، " فلمّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود ، فقالوا : يا محمّد بلغنا عنك أنّك تقول : وما أُوتيتم من العلم إلاّ قليلاً ، أفعنيتنا أم قومك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : كلاًّ قد عنيت . قالوا : ألستَ تتلوا فيما جاءَك : إنّا قد أُوتينا التّوراة وفيها علم كلّ شيء ؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي في علم الله قليلٌ وقد آتاكم الله ما إنْ عملتم به انتفعتم . قالوا : يا محمّد كيف تزعم هذا وأنت تقول : { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } فكيف يجتمع هذا قليل وخير كثير ؟ فأنزلَ الله : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ } " أي بريت أقلاماً { وَالْبَحْرُ } بالنصب ابن أبي إسحاق وأبو عمرو ويعقوب . غيرهم بالرّفع ، وحجّتهم : قراءة عبدالله وبحر { يَمُدُّهُ } أي يزيده وينصب عليه { مِن بَعْدِهِ } من خلفه { سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ } وفي هذه الآية اختصار تقديرها : ولو أنَّ ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمدُّهُ من بعده سبعة أبحر يكتب بها كلام الله ما نفدت كلمات الله ، وهذه الآية تقتضي أنّ كلامه غير مخلوق ؛ لأنّه لا نهاية له ولما يتعلّق به من معناه فهو غير مخلوق .

{ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } هذه الآية على قول عطاء بن يسار : مدنيّة ، قال : نزلت بعد الهجرة كما حكينا . وعلى قول غيره : مكّيّة ، قالوا : إنّما أمرَ اليهود وفد قريش أنْ يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ويقولوا له ذلك وهو بعد بمكّة ، والله أعلم .