فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَلَوۡ أَنَّمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَٰمٞ وَٱلۡبَحۡرُ يَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ سَبۡعَةُ أَبۡحُرٖ مَّا نَفِدَتۡ كَلِمَٰتُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (27)

{ ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم 27 ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير28 ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير 29 ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير30 }

لما بينت السورة المباركة أن ربنا الذي خلق السماء بغير عمد ، وخلق الأرض وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ، وبث فيها من كل دابة ، وأنبت بالمطر صنوف النبات ، فأحيا به الجماد والحيوان والإنسان ، وأن مولانا الذي وسع علمه كل شيء وإن دق- خردلة أو ذرة أو أصغر من ذلك أو أكبر- ونعمه الظاهرة والباطنة لا نحصيها ، وهو الخالق والمدبر والمالك لكل ذلك ولما وراء ذلك- هذا الولي الكريم صاحب الفضل العظيم لا نحصي أفضاله ، ولو كانت أغصان أشجار الأرض أقلاما{[3459]} ، وبحار الأرض مدادا ، وكتب بهذه الأقلام آلاء الملك العلام لجفت البحار ونفد ماؤها ولم تنفد كلمات الله ، ولو جيء بمثل الأبحر ومثلها كما جاء في آية كريمة أخرى : )قل لو كان البحر مدادا كلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ){[3460]}[ وإنما الغرض الإعلام بكثرة معاني كلمات الله ، وهي في نفسها غير متناهية ، وإنما قرب الأمر على أفهام البشر بما يتناهى لأنه غاية ما يعهده البشر من الكثرة ، لا أنها تنفد بأكثر من هذه الأقلام والبحور ]{[3461]} ، { إن الله عزيز } له العزة الغالبة على الكل{ حكيم } لا يفوته صواب ، ولا يخفى عليه شيء ، - أي عزيز قد عز كل شيء وقهره وغلبه ، فلا مانع لما أراد ولا مخالف ولا معقب لحكمه .

{ حكيم } في خلقه وأمره وأقواله وأفعاله وشرعه ، وجميع شئونه-{[3462]} .


[3459]:أورد صاحب{روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني] بحثا في أعاريب النحاة للقول الحكيم:{ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر} وأطال في ذكر اختلاف أعاريبهم، حتى زاد البحث على ألف وخمسمائة كلمة. جـ 21. ص 97، 98. 99.
[3460]:سورة الكهف. الآية 109.
[3461]:ما بين العلامتين[ ] مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن، وأسند هذا ونحوه إلى القفال، والقشيري، وأبي علي، وأبي جعفر النحاس، ونقل عن ابن عباس في سبب نزول الآية أن اليهود قالت: يا محمد! كيف عنينا بهذا القول:) وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)ونحن قد أوتينا التوراة فيها كلام الله وأحكامه، وعندك أنها تبيان كل شيء؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:" التوراة قليل من كثير" ونزلت هذه الآية، والآية مدنية اهـ.
[3462]:ما بين العارضتين مما أورد ابن كثير.