تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَوۡ أَنَّمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَٰمٞ وَٱلۡبَحۡرُ يَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ سَبۡعَةُ أَبۡحُرٖ مَّا نَفِدَتۡ كَلِمَٰتُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (27)

الآية 27 وقوله تعالى : { ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله } لا يحتمل أن يكون ذكر هذا الكلام ابتداء من غير أمر أو سؤال أو خطاب سبق من القوم حتى ذكر هذا .

لكنا ما نعلم سبب ذلك ، وما قصته ، وما أمره ، حتى أنزل هذا .

لكن ابن عباس رضي الله عنه ، يقول : إن اليهود أعداء الله ، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح ، وما هو ؟ فنزل : { قل الروح من أمر ربي } لا علم لي به ، وتلا قوله : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } [ الإسراء : 86 ] أي [ يسيرا من ]( {[16281]} ) علم الله . فلما قرأ عليهم هذه الآية قالوا : كيف تزعم هذا ، وأنت تزعم أن من { يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا } [ البقرة : 269 ] فكيف يجتمع هذا : علم قليل وخير كثير ؟

قال : فنزل : { ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام } يقول : تبرى الشجرة أقلاما : { والبحر يمده من بعده سبعة أبحر } فتكون كلها مدادا ، يكتب بها علم الله ، لانكسرت الأقلام ، ولنفذ المداد ، ولم ينفذ علم الله ؛ فما( {[16282]} ) أعطاكم من العلم قليل ، وما( {[16283]} ) عنده من العلم كثير .

إلى هذا يذهب أكثرهم ، ولكن غير هذا كأنه أشبه بسبب نزوله وذكره ، وهو يخرج على وجهين :

أحدهما : ما ذكرنا في قوله : { لله ما في السماوات والأرض } [ لقمان : 26 ] أنه بلغ ملكه وسلطانه ما لو صار ما ذكر من الأشجار كلها وأقلاما والبحار كلها مدادا ، فكتب بها أسماء خلقه وملكه وسلطانه لنفذ ذلك كله ، ولم ينفذ خلقه ، ولم يبلغوا غاية ذلك .

[ والثاني ]( {[16284]} ) : ذكر هذا [ في وصف ]( {[16285]} ) القرآن لقول ، كان من الكفرة في قلته في نفسه وصغر ما كتب فيه ، أن يقولوا : كيف يسع في هذا المقدار علم الكتب السالفة المتقدمة ، وهي أوقار ، وهي جزء ؟ فيخبر ، والله أعلم :

أنه جمع في هذا من المعاني والعلم والحكمة ما لو فسره ، وبين ما أودع فيه ، وضمنه كما لو جعل ما في الأرض من الشجر أقلاما والبحار مدادا ، فكتب فيه ما أودع فيه ، وضمنه ، لتعذر ذلك كله ، ولم ينفد ما جمع فيه ، وضمنه . هذا ، والله أعلم ، يشبه أن يكون تأويله وسبب نزوله ، والله أعلم ، بذلك { إن الله عزيز حكيم } .


[16281]:في الأصل: يسيروا في، في م: يسير في.
[16282]:في الأصل وم: في ما.
[16283]:في الأصل وم: في ما.
[16284]:في الأصل وم: أو.
[16285]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل: لهذا.