قوله تعالى : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً } . اختلفوا في هؤلاء السفهاء ، فقال قوم : هم النساء ، وقال الضحاك : النساء من أسفه السفهاء ، وقال مجاهد : نهى الرجال أن يؤتوا النساء أموالهم وهن سفهاء سواء كن أزواجاً أو بنات أو أمهات ، وقال الآخرون : هم الأولاد ، قال الزهري : يقول لا تعط ولدك السفيه مالك الذي هو قيامك بعد الله تعالى فيفسده ، وقال بعضهم : هم النساء والصبيان ، وقال الحسن : هي امرأتك السفيهة وابنتك السفيهة . وقال ابن عباس : لا تعمد إلى مالك الذي خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنيك فيكونوا هم الذين يقومون عليك ثم تنظر إلى ما في أيديهم ، ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم في رزقهم ومؤنتهم ، قال الكلبي : إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة وأن ولده سفيه مفسد فلا ينبغي أن يسلط واحداً منهما على ماله فيفسده . وقال سعيد بن جبير وعكرمة : هو مال اليتيم يكون عندك يقول لا تؤته إياه وأنفقه عليه حتى يبلغ وإنما أضاف إلى الأولياء فقال : { أموالكم } لأنهم قوامها ومدبروها ، والسفيه الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله هو المستحق للحجر عليه ، وهو أن يكون مبذراً في ماله أو مفسداً في دينه ، فقال جل ذكره : { ولا تؤتوا السفهاء } أي : الجهال بموضع الحق أموالكم التي جعل الله لكم قياما ، قرأ نافع وابن عامر { قيماً } بلا ألف ، وقرأ الآخرون : { قياماً } وأصله : " قواماً " ، فانقلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها ، وهو ملاك الأمر وما يقوم به الأمر وأراد هنا قوام عيشكم الذي تعيشون به . قال الضحاك به يقام الحج والجهاد وأعمال البر وبه فكاك الرقاب من النار .
قوله تعالى : { وارزقوهم فيها } . أي : أطعموهم .
قوله تعالى : { واكسوهم } . لمن يجب عليكم رزقه ومؤنته ، وإنما قال فيها ، ولم يقل : منها ، لأنه أراد أنهم جعلوا لهم فيها رزقاً ، فإن الرزق من الله العطية من غير حد ومن العباد أجر مؤقت محدود .
قوله تعالى : { وقولوا لهم قولاً معروفاً } . عدة جميلة ، وقال عطاء : إذا ربحت أعطيتك وإن غنمت فلك فيه حظ ، وقيل : هو الدعاء : وقال ابن زيد : إن لم يكن ممن تجب عليك نفقته فقل له : عافانا الله وإياك بارك الله فيك ، وقيل : قولاً تطيب به أنفسهم .
ينهى تعالى عن تَمْكين السفهاء من التصرّف في الأموال التي جعلها الله للناس قياما ، أي : تقوم{[6600]} بها معايشهم من التجارات وغيرها . ومن هاهنا يُؤْخَذُ الحجر على السفهاء ، وهم أقسام : فتارة يكون الحَجْرُ للصغر ؛ فإن الصغير مسلوب العبارة . وتارة يكون الحجرُ للجنون ، وتارة لسوء التصرف لنقص العقل أو الدين ، وتارة يكون الحجر للفَلَس ، وهو ما إذا أحاطت الديون برجل وضاقَ ماله عن وفائها ، فإذا سأل{[6601]} الغُرَماء الحاكم الحَجْرَ عليه حَجَرَ عليه .
وقد قال الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : { وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ } قال : هم بَنُوك والنساء ، وكذا قال ابن مسعود ، والحكم بن عُتَيبة{[6602]} والحسن ، والضحاك : هم النساء والصبيان .
وقال سعيد بن جُبَير : هم اليتامى . وقال مجاهد وعكرمة وقتادة : هم النساء .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عَمّار ، حدثنا صدقة بن خالد ، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وإن النساء السُّفَهاء إلا التي أطاعت قَيِّمَها " .
ورواه ابن مَرْدُويه مطولا{[6603]} .
وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن مسلم بن إبراهيم ، حدثنا حَرْب بن سُرَيج{[6604]} عن معاوية بن قرة{[6605]} عن أبي هريرة { وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ } قال : الخدم ، وهم شياطين الإنس وهم الخدم .
وقوله : { وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس يقول [ تعالى ]{[6606]} لا تَعْمَد إلى مالك وما خَوَّلك الله ، وجعله معيشة ، فتعطيَه امرأتك أو بَنيكَ ، ثم تنظر{[6607]} إلى ما في أيديهم ، ولكن أمْسكْ مالك وأصلحْه ، وكن أنت الذي تنفق عليهم من كسْوتهم ومؤنتهم ورزقهم .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن فرَاس ، عن الشعبي ، عن أبي بُرْدة ، عن أبي موسى قال : ثلاثة يدعون الله فلا يستجيب لهم : رجل كانت له امرأة سَيّئة الخُلُق فلم يُطَلقها ، ورجل أعطى ماله سفيها ، وقد قال : { وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ } ورجل كان له على رجل دين فلم يُشْهِد عليه .
وقال مجاهد : { وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا } يعني في البر والصلة .
وهذه الآية الكريمة انتظمت الإحسان إلى العائلة ، ومَنْ تحت الحَجْر بالفعل ، من الإنفاق في الكساوي والإنفاق{[6608]} والكلام الطيب ، وتحسين الأخلاق .
وقوله { ولا تؤتوا السفهاء } الآية ، اختلف المتأولون في المراد ب { السفهاء } ، فقال ابن مسعود والسدي والضحاك والحسن وغيرهم : نزلت في ولد الرجل الصغار وامرأته ، وقال سعيد بن جبير : نزلت في المحجورين «السفهاء » وقال مجاهد : نزلت في النساء خاصة ، وروي عن عبد الله بن عمر أنه مرت به امرأة لها شارة فقال لها { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } الآية ، وقال أبو موسى الأشعري والطبري وغيرهما : نزلت في كل من اقتضى الصفة التي شرط الله من السفه كان من كان ، وقول من خصها بالنساء يضعف من جهة الجمع ، فإن العرب إنما تجمع فعيلة على فعائل أو فعيلات ، وقوله { أموالكم } يريد أموال المخاطبين ، هذا قول أبي موسى الأشعري وابن عباس والحسن وقتادة ، وقال سعيد بن جبير : يريد أموال «السفهاء » ، وأضافها إلى المخاطبين تغبيطاً بالأموال ، أي هي لهم إذا احتاجوا ، كأموالكم لكم التي تقي أعراضكم ، وتصونكم وتعظم أقدراكم ، ومن مثل هذ{ ولا تقتلوا أنفسكم }{[3856]} وما جرى مجراه ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن والنخعي و «اللاتي » والأموال : جمع لما لا يعقل ، فالأصوب فيه قراءة الجماعة ، و { قيماً } جمع قيمة كديمة وديم ، وخطأ ذلك أبو علي وقال : هي مصدر كقيام وقوام وأصلها قوم ، ولكن شذت في الرد إلى الياء كما شذ قولهم : جياد في جميع جواد ، وكما قالت بنو ضبة : طويل وطيال ، ونحو هذا ، وقوماً وقواماً وقياماً ، معناها : ثباتاً في صلاح الحال ، ودواماً في ذلك ، وقرأ نافع وابن عامر { قيماً } بغير ألف ، وروي أن أبا عمرو فتح القاف من قوله : قواماً ، وقياماً - كان أصله قواماً ، فردت كسرة القاف الواو ياء للتناسب ، ذكرها ابن مجاهد ولم ينسبها ، وهي قراءة أبي عمرو والحسن ، وقرأ الباقون { قياماً } وقرأت طائفة «قواماً » وقوله : { وارزقوهم فيها واكسوهم } قيل : معناه : فيمن يلزم الرجل نفقته وكسوته من زوجه وبنيه الأصاغر ، وقيل : في المحجورين من أموالهم ، و { معروفاً } قيل : معناه : ادعوا لهم : بارك الله فيكم وحاطكم وصنع لكم ، وقيل : معناه عدوهم وعداً حسناً ، أي إن رشدتم دفعنا إليكم أموالكم ، ومعنى اللفظ كل كلام تعرفه النفوس وتأنس إليه ويقتضيه الشرع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.