التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمٗا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيهَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (5)

{ وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء( 1 ) أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً( 2 ) وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا ( 3 ) وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ( 5 ) } .

( 1 )السفهاء : أوجه تأويلات الكلمة أنهم ضعفاء العقل والتمييز صغارا كانوا أم كبارا .

( 2 ) التي جعل الله لكم قياما : التي جعلها الله قوام حياتكم ومعيشتكم

( 3 ) ارزقوهم فيها : أجروا عليهم معيشتهم منها .

تعليق على الآية

( وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً ) الخ

عبارة الآية أيضا واضحة . ولم نطلع على رواية خاصة في نزولها . ويتبادر لنا أنها استمرار استطرادي للسياق السابق الذي احتوى أوامر ونواهي تناولت المعاملات والحقوق المالية والشخصية .

وقد نهت المسلمين عن وضع أموالهم في أيدي ضعفاء العقل والتمييز . ونبهتهم إلى أن المال قوام الحياة ووسيلة المعاش ، فيجب عدم التفريط فيه وإضاعته بتصرف السفهاء . وهذا مظهر اتساق تعاليم القرآن مع واقع الحياة الإنسانية وعنايتها وتوجيهاتها في الشؤون الاقتصادية والمعاشية .

وقد نبهت الآية إلى وجوب الإنفاق على السفهاء ما هم في حاجة إليه من طعام وكساء ووجوب التصرف معهم بالحسنى . وهذا من مظاهر عناية القرآن بهذه الطبقة .

وروح الآية وتنبيهاتها تدل على أن السفهاء المقصودين في الآية هم الذين يكونون من ذوي رحم وقربى أصحاب الأموال الذين تجب عليهم نفقتهم .

ولقد أورد المفسرون{[503]} أقوالا عديدة في المقصود بكلمة السفهاء معزوة إلى ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم من الصحابة والتابعين . منها أنهم الصبيان والنساء ، ومنها أنهم النساء خاصة ، ومنها أنهم كل ضعيف في عقله وتمييزه قاصرا كان أم بالغا وذكرا كان أو أنثى . ولقد أورد القائلون بأنهم النساء حديثا نبويا لم يرد في كتب الحديث لو صح لا يصح أن يساق كدليل على تأويل الكلمة بالنساء ، فهو يصف المتزوجات اللاتي لا يطعن قيمهن بالسفه لا جميع النساء ، وهؤلاء ليسوا إلا قلة ضئيلة . وقد علقنا على هذا بما فيه الكفاية في سياق تفسير الآيات ( 8 14 ) من سورة البقرة والآية ( 20 ) من سورة الروم فلا حاجة للإعادة والزيادة . إلا أن نقول : إن نص الآية وروحها يتسقان مع القول الأخير الذي يقول : إن المقصود من الكلمة كل ضعيف في عقله وتمييزه .

ومن العجيب أن الذين يقولون : إنهم النساء خاصة ينسون أن في الآية السابقة لهذه الآية مباشرة صراحة بوجوب إعطاء الزوجة مهرها تاما دون ابتزاز منه وبتقرير حقها في التصرف فيه ؛ حيث ينقض هذا ذلك القول الذي يراد منه عدم قدرة المرأة على حسن التصرف والتدبير .

ويأتي بعد قليل آيات تقرر حق المرأة في الإرث وأهليتها في الدين والاستدانة والتملك والوصية والتصرف في كل ما اكتسبت . ومن جملة ذلك آية تنهي الزوج عن أخذ شيء مما أعطاه لزوجته ، ولو كان قنطارا مما فيه ضمنا إقرار بإعطاء لزوجات المال الكثير . وكل هذا يزيد في أسباب العجب ويكون فيه دعم حاسم .

والآية وإن كانت موجهة إلى أصحاب الأموال لتدبير أمورهم بأنفسهم وتحذرهم من تمكين ضعفاء العقل والإدراك من أولادهم ونسائهم منها وتفاديا من الإساءة في استعمالها ، فإنها تنطوي على ما يمكن أن تلهمه روحها على مبدأ تشريعي وهو عدم تمكين ضعفاء العقل والتمييز من أموالهم أنفسهم لغلبة الظن بتفريطهم وإساءة تصرفهم بحيث يجب الحجر عليهم من قبل ولي الأمر وإقامة أوصياء يدبرون لهم أموالهم ويقومون بالإنفاق عليهم بالمعروف والحسنى . وقد قال المفسر القاسمي : إن العلماء قد استدلوا بهذه الآية على وجوب الحجر على السفيه البالغ سواء أطرأ عليه السفه أم كان من حين البلوغ .


[503]:انظر تفسير الخازن وابن كثير والبغوي والطبرسي