الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمٗا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيهَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (5)

{ وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً } الآية .

اختلفوا في هؤلاء السفهاء من هم ؟

فقال قوم : هم النساء .

قال الحضرمي : عمد رجل فدفع ماله إلى امرأته فوضعته في غير الحق ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .

مجاهد : نهى الرجال أن يؤتوا النساء أموالهم وبين سفهاء من كن أزواجاً أو كن أو بنات أو أُمهات .

جويبر عن الضحاك : النساء من أسفه السفهاء ، يدل على صحة هذا التأويل ما روى علي بن زيد عن القاسم عن أبي أُمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إنما خلقت النار للسفهاء يقولها ثلاثاً ألا وإن السفهاء النساء إلاّ امرأة أطاعت قيّمها " .

أبان عن ابن عياش عن أنس بن مالك قال : " جاءت امرأة سوداء جريئة المنطق ذات ملح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : بأبي وأمي أنت يا رسول الله قُل فينا خيراً مرة واحدة ، فإنه بلغني أنك تقول فينا كل شرّ . قال : " أي شيء قلت لكُنّ ؟ " قالت : سمّيتنا السفهاء في كتابه وسمّيتنا النواقص . فقال : " وكفى نقصاناً أن تدعن من كل شهر خمسة أيام لا تصلين فيهنَّ ، أما يكفي إحداكنَّ إذا حملت كان لها كأجر المرابط في سبيل الله ، وإذا وضعت كانت كالمتشحط بدمه في سبيل الله ، وإذا أرضعت كان لها بكل جرعة كعتق رقبة من ولد إسماعيل ، وإذا سهرت كان لها بكل سهرة تسهرها كعتق رقبة من ولد إسماعيل ، وذلك للمؤمنات الخاشعات الصابرات اللاتي لا يكفرن بالعشير " . قالت السوداء : يا له فضلاً لولا ما تبعه من الشرط " .

وروى عاصم عن مورق قال : مرّت امرأة بعبد الله بن عمر لها شارة وهيبة فقال لها ابن عمر : { وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ } . وقال معاوية بن قرة : عوّدوا نساءكم فإنهن سفيهات ، إن أطعت المرأة أهلكتك .

وقال آخرون : هم الأولاد ، وهي رواية عطية عن ابن عباس . قال الزهري وأبو مالك يقول : لا تعط ولدك السفيه مالك الذي هو قوامك بعد الله فيفسده ، وقال بعضهم : هم النساء والصبيان . قال الحسن : هي امرأتك السفيهة وابنك السفيه . قتادة : أمر الله بهذا المال أن يُخزن فيحسن خزائنه ولا تملكه المرأة السفيهة ولا الغلام السفيه فيبذره ، قال الله تعالى :

{ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } [ البقرة : 188 ] .

عبيد عن الضحاك : ولا تعطوا نساءكم وأبناءكم أموالكم فيكونوا عليكم أرباباً .

ابن عباس : لا تعمد إلى مالك الذي خوّلك الله تعالى وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك وبنيك ، فيكونوا هم الذين يقومون عليك ، ثم تنظر إلى ما في أيديهم ، ولكن أمسك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم في كسوتهم ورزقهم ومؤنتهم .

الكلبي : إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة وأن ولده سفيه مفسد ، فلا ينبغي له أن يسلط واحداً منهما على ماله ليفسده .

وقال السدي : لا تُعط المرأة مالها حتى تتزوج وإن قرأت التوراة والإنجيل والقرآن ، ولا تعط الغلام ماله حتى يحتلم .

وقال سعيد بن جبير وعكرمة : هو مال اليتيم يكون عندك ، يقول : لا تؤته إياه ، وأنفق عليه حتى يبلغ ، فإن قيل على هذا القول : كيف أضاف المال إلى الأولياء فقال : ( أموالكم ) وهي أموال السفهاء ؟ قيل : إنما أضاف إليهم لأنها الجنس الذي جعله الله أموالا للناس كقوله :

{ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ } [ التوبة : 128 ] وقوله :

{ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } [ البقرة : 54 ] ردّها إلى الجنس ، أي الجنس الذي هو جنسكم .

وقال محمد بن جرير : إنما أضيفت إلى الولاة لأنهم قوامها ومدبروها ، والسفيه الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله ، هو المستحق للحجر بتضييعه ماله وإفساده وسوء تدبيره .

روى الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري قال : ثلاثة يدعون الله فلا يستجيب لهم : رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها ، ورجل كان له على رجل دين فلم يُشهد عليه ، ورجل أعطى سفيهاً ماله وقد قال الله { وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ } أي الجهال بموضع الحق .

{ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي } .

قرأ الحسن والنخعي : اللاتي ، وهما بمعنى واحد .

وأنشد :

من اللواتي والتي واللاتي *** زعمن أني كبرت لذاتي

فجمع بين ثلاث لغات .

قال الفراء : العرب تقول في جمع النساء : اللاتي ، أكثر مما تقولون : التي ، ويقولون في جمع الأموال وسائر الأشياء : التي ، أكثر ممّا يقولون : اللاتي ، وهما جائزان .

{ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً } قرأ ابن عمر ( قَواما ) بالواو وفتح القاف كالدوام ، وقرأ عيسى بن عمر ( قِواما ) بكسر القاف على الفعل ، لأن الأصل الواو .

وقال الكسائي : هما لغتان ومعناهما واحد ، وكان أبو حاتم يفرّق بينهما فيقول : القوام بالكسر الملاك ، والقوام بالفتح امتداد القامة .

وقرأ الأعرج ونافع : ( قِيّما ) بكسر القاف .

الباقون : ( قياماً ) وأصله قواماً فانقلب الواو ياءً ، لانكسار ما قبلها ، مثل صيام ونيام ، وهن جميعاً ملاك الأمر وما يقوم به الإنسان ، يقال : فلان قوام أهل بيته ، وأراد هاهنا قوام عيشكم الذي تعيشون به .

وقال الضحاك : به يقام الحج والجهاد وأعمال البر ، وهي فكاك الرقاب من النار .

وقال بعضهم : أموالكم التي تقومون بها قياماً .

{ وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا } أي أطعموهم { وَاكْسُوهُمْ } لمن يجب عليكم رزقه ويلزمكم نفقته ، والرزق من الله عزّ وجلّ عطية غير محدودة ، ومن الناس الاجراء الموظف بوقت محدود ، يقال : رزق فلان عياله كذا وكذا ، أي أجرى عليهم ، وإنما قال : فيها ، ولم يقل : منها ، لأنه أراد أن يجعل لهم فيها رزقاً ، كأنه أوجب عليهم ذلك .

{ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } عدة جميلة .

وقال عطاء : ( قولا معروفاً ) إذا ربحت أعطيتك كذا وإن غنمت في غزاتي جعلت لك حظاً .

الضحاك : ردوا عليهم رداً جميلا .

وقيل : هو الدعاء .

قال ابن زيد : إن كان ليس من ولدك ولا ممّن يجب عليك نفقته فقل له قولا معروفاً ، قل له عافانا الله وإيّاك بارك الله فيك .

وقال المفضل : قولا ليناً تطيب به أنفسهم ، وكلما سكنت إليه النفس أحبته من قول أو عمل فهو معروف ، وما أنكرته وكرهته ونفرت منه فهو منكر