الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمٗا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيهَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (5)

{ السفهاء } المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا يبنغي ولا يدى لهم بإصلاحها وتثميرها والتصرف فيها . والخطاب للأولياء : وأضاف الأموال إليهم لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم ، كما قال : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } [ النساء : 79 ] ، { فمَّا مَلَكَتْ أيمانكم مّن فتياتكم المؤمنات } [ النساء : 25 ] الدليل على أنه خطاب للأولياء في أموال اليتامى قوله : { وارزقوهم فِيهَا واكسوهم } ، { جَعَلَ الله لَكُمْ قياما } أي تقومون بها وتنتعشون ، ولو ضيعتموها لضعتم فكأنها في أنفسها قيامكم وانتعاشكم . وقرىء : «قيما » ، بمعنى قياماً ، كما جاء عوذاً بمعنى عياذاً . وقرأ عبد الله بن عمر : «قواماً » ، بالواو . وقوام الشيء : ما يقام به ، كقولك هو ملاك الأمر لما يملك به . وكان السلف يقولون : المال سلاح المؤمن ، ولأن أترك ما لا يحاسبني الله عليه ، خير من أن أحتاج إلى الناس . وعن سفيان - وكانت له بضاعة يقلبها - : لولاها لتمندل بي بنو العباس . وعن غيره - وقيل له إنها تدنيك من الدنيا - : لئن أدنتني من الدنيا لقد صانتني عنها . وكانوا يقولون : اتجروا واكتسبوا ، فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه ، وربما رأوا رجلاً في جنازة فقالوا له : اذهب إلى دكانك { وارزقوهم فِيهَا } واجعلوها مكاناً لرزقهم بأن تتجروا فيها وتتربحوا ، حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال فلا يأكلها الإنفاق . وقيل : هو أمر لكل أحد أن لا يخرج ماله إلى أحد من السفهاء ، قريب أو أجنبي ، رجل أو امرأة ، يعلم أنه يضعه فيما لا ينبغي ويفسده { قَوْلاً مَّعْرُوفاً } قال ابن جريج : عدّة جميلة ، إن صلحتم ورشدتم سلمنا إليكم أموالكم . وعن عطاء : إذا ربحت أعطيتك ، وإن غنمت في غزاتي جعلت لك حظاً . وقيل : إن لم يكن ممن وجبت عليك نفقته فقل : عافانا الله وإياك ، بارك الله فيك . وكل ما سكنت إليه النفس وأحبته لحسنه عقلاً أو شرعاً من قول أو عمل ، فهو معروف ، وما أنكرته ونفرت منه لقبحه ، فهو منكر .