هذا رجوع إلى بقية الأحكام المتعلقة بأموال اليتامى . وقد تقدّم الأمر بدفع أموالهم إليهم في قوله تعالى : { وَءاتُوا اليتامى أموالهم } [ النساء : 2 ] فبين سبحانه هاهنا أن السفيه ، وغير البالغ لا يجوز دفع ماله إليه . وقد تقدّم في البقرة معنى السفيه لغة .
واختلف أهل العلم في هؤلاء السفهاء من هم ؟ فقال سعيد بن جبير : هم اليتامى لا تؤتوهم أموالكم . قال النحاس ، وهذا من أحسن ما قيل في الآية . وقال مالك : هم الأولاد الصغار لا تعطوهم أموالكم ، فيفسدوها ، وتبقوا بلا شيء . وقال مجاهد : هم النساء . قال النحاس ، وغيره : وهذا القول لا يصح إنما تقول العرب سفائه أو سفيهات . واختلفوا في وجه إضافة الأموال إلى المخاطبين ، وهي للسفهاء ، فقيل : أضافها إليهم ؛ لأنها بأيديهم ، وهم الناظرون فيها ، كقوله : { فَسَلّمُوا على أَنفُسِكُمْ } [ النور : 61 ] ، وقوله : { فاقتلوا أَنفُسَكُمْ } [ البقرة : 54 ] أي : ليسلم بعضكم على بعض ، وليقتل بعضكم بعضاً ، وقيل : أضافها إليهم لأنها من جنس أموالهم ، فإن الأموال جعلت مشتركة بين الخلق في الأصل . وقيل المراد : أموال المخاطبين حقيقة . وبه قال أبو موسى الأشعري ، وابن عباس ، والحسن ، وقتادة . والمراد : النهي عن دفعها إلى من لا يحسن تدبيرها كالنساء ، والصبيان ، ومن هو ضعيف الإدراك لا يهتدي إلى وجوه النفع التي تصلح المال ، ولا يتحب ، وجوه الضرر التي تهلكه ، وتذهب به .
قوله : { التي جَعَلَ الله لَكُمْ قيما } المفعول الأوّل محذوف ، والتقدير التي جعلها الله لكم ، و«قيما » قراءة أهل المدينة ، وأبي عامر ، وقرأ غيرهم : «قياماً » وقرأ عبد الله بن عمر : «قواما » والقيام والقوام : ما يقيمك ، يقال فلان قيام أهله ، وقوام بيته ، وهو الذي يقيم شأنه ، أي : يصلحه ، ولما انكسرت القاف في قوام أبدلوا الواو ياء . قال الكسائي والفراء : قيماً وقواماً بمعنى قياماً ، وهو منصوب على المصدر أي : لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي تصلح بها أموركم ، فتقومون بها قياماً ، وقال الأخفش : المعنى قائمة بأموركم ، فذهب إلى أنها جمع . وقال البصريون : قيماً جمع قيمة كديمة وديم ، أي : جعلها الله قيمة للأشياء . وخطأ أبو علي الفارسي هذا القول ، وقال : هي مصدر ، كقيام وقوام . والمعنى : أنها صلاح للحال ، وثبات له ، فأما على قول من قال : إن المراد أموالهم على ما يقتضيه ظاهر الإضافة ، فالمعنى واضح . وأما على قول من قال إنها أموال اليتامى ، فالمعنى أنها من جنس ما تقوم به معايشكم ، ويصلح به حالكم من الأموال . وقرأ الحسن ، والنخعي : «اللاتي جعل » قال الفراء : الأكثر في كلام العرب النساء اللواتي ، والأموال التي ، وكذلك غير الأموال ، ذكره النحاس .
قوله : { وارزقوهم فِيهَا واكسوهم } أي : اجعلوا لهم فيها رزقاً ، أو افرضوا لهم ، وهذا فيمن تلزم نفقته ، وكسوته من الزوجات ، والأولاد ، ونحوهم . وأما على قول من قال : إن الأموال هي أموال اليتامى ، فالمعنى اتجروا فيها حتى تربحوا ، وتنفقوهم من الأرباح ، أو اجعلوا لهم من أموالهم رزقاً ينفقونه على أنفسهم ، ويكتسون به .
وقد استدل بهذه الآية على جواز الحجر على السفهاء ، وبه قال الجمهور . وقال أبو حنيفة : لا يحجر على من بلغ عاقلاً ، واستدل بها أيضاً على وجوب نفقة القرابة ، والخلاف في ذلك معروف في مواطنه . قوله : { وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً معْرُوفاً } قيل : ادعوا لهم : بارك الله فيكم ، وحاطكم ، وصنع لكم . وقيل معناه : عدوهم وعداً حسناً قولوا لهم : إن رشدتم دفعنا إليكم أموالكم ، ويقول الأب لابنه : مالي سيصير إليك ، وأنت إن شاء الله صاحبه ، ونحو ذلك . والظاهر من الآية ما يصدق عليه مسمى القول الجميل ، ففيه إرشاد إلى حسن الخلق مع الأهل ، والأولاد ، أو مع الأيتام المكفولين . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه : «خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي »
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.