محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمٗا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيهَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (5)

( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا5 ) .

( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا ) اعلم أن في الآية وجوها يحتملها النظم الكريم .

/ الأول : أن يراد بالسفهاء اليتامى . كما روي عن سعيد بن جبير . والخطاب حينئذ للأولياء . نهوا أن يؤتوا اليتامى أموالهم مخافة أن يضيعوها لقلة عقولهم . لأن السفيه هو الخفيف الحلم . وانما أضيفت للأولياء ، وهي لليتامى ، تنزيلا لاختصاصها بأصحابها منزلة اختصاصها بالأولياء . فكأن أموالهم عين أموالهم . لما بينهم وبينهم من الاتحاد الجنسي والنسبي . مبالغة في حملهم على المحافظة عليها . كما في قوله تعالى : ( ولا تقتلوا أنفسكم ) {[1549]} . أي لا يقتل بعضكم بعضا . حيث عبر عن بني نوعهم بأنفسهم ، مبالغة في زجرهم عن قتلهم . فكأن قتلهم قتل أنفسهم . وقد أيد ذلك حيث عبر عن جعلها مناطا لمعاش أصحابها بجعلها مناطا لمعاش الأولياء ، بقوله تعالى : ( التي جعل الله لكم قياما ) . أي جعلها الله شيئا تقومون وتنتعشون . فلو ضيعتموها لضعتم . وقوله تعالى : ( وارزقوهم فيها واكسوهم ) أي اجهلوها مكانا لرزقهم وكسوتهم . بأن تتجروا وتتربحوا . حتى تكون نفقاتهم من الأرباح لا من صلب المال . وقوله سبحانه : ( وقولوا لهم قولا معروفا ) أي كلاما لينا تطيب به نفوسهم . ومنه أن يعدهم عدة جميلة ، بأن يقول وليهم : إذا صلحتم ورشدتم ، سلمنا اليكم أموالكم .

( الوجه الثاني ) : أن يراد بالسفهاء النساء والصبيان . وروي ذلك عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما . فالخطاب عام والنهي لكل أحد أن يعمد إلى ما خوله الله تعالى من المال فيعطيه امرأته وأولاده . ثم ينظر إلى أيديهم . وانما سماهم سفهاء استخفافا بعقلهم واستهجانا لجعلهم قواما على أنفسهم . قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول : " لا تعمد إلى مالك وما خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنتك ثم تنظر إلى ما في أيديهم . ولكن أمسلك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم من كسوتهم ومؤنتهم ورزقهم " .

( الوجه الثالث ) : أن / يراد بالسفهاء كل من لم يكن له عقل يفي بحفظ المال . فيدخل فيه النساء والصبيان والأيتام وكل من كان موصوفا بهذه الصفة . قال الرازي : وهذا القول أولى . لأن التخصيص بغير دليل لا يجوز . قال السيوطي في ( الاكليل ) : في هذه الآية الحجر على السفيه . وأنه لا يمكن من ماله . وأنه ينفق عليه منه ويكسى ، ولا ينفق في التبرعات . وأنه يقال له معروف . ك ( ان رشدت دفعنا اليك مالك . وانما يحتاط لنفعك ) .

واستدل بعموم الآية من قال بالحجر على السفيه البالغ . سواء طرأ عليه أم كان من حين البلوغ . ومن قال بالحجر على من يخدع في البيوع . ومن قال بأن من يتصدق على محجور ، وشرط أن يترك في يده ، لا يسمع منه في ذلك .

لطيفة :

في قوله تعالى : ( التي جعل الله لكم قياما ) حث على حفظ الأموال وعدم تضييعها .

قال الزمخشري : كان السلف يقولون : المال سلاح المؤمن . ولأن أترك مالا يحاسبني الله عليه ، خير من أحتاج إلى الناس . وكانت له بضاعة يقلبها : لولاها لتمندل بي بنو العباس . وعن غيره ( وقيل له : انها تدنيك من الدنيا ) : لأن أدنتني من الدنيا لقد صانتني عنها . وكانوا يقولون : اتجروا واكتسبوا . فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه . وربما رأوا رجلا في جنازة ، فقالوا له : اذهب إلى دكانك . انتهى .


[1549]:|4/ النساء/ 29| ونصها: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما29).