إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمٗا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيهَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (5)

{ وَلاَ تُؤْتُوا السفهاء أموالكم } رجوعٌ إلى بيان بقيةِ الأحكامِ المتعلقةِ بأموال اليتامى ، وتفصيلُ ما أُجمل فيما سبق من شرط إيتائِها ووقتِه وكيفيتِه إثرَ بيانِ بعضِ الأحكامِ المتعلقةِ بأنفسهن ، أعني نكاحَهن وبيانِ بعضِ الحقوقِ المتعلقةِ بغيرهن من الأجنبيات من حيث النفسُ ومن حيث المالُ استطراداً ، والخطابُ للأولياء ، نُهوا أن يؤتوا المبذرين من اليتامى أموالَهم مخافةَ أن يضيِّعوها وإنما أضيفت إليهم وهي لليتامى لا نظراً إلى كونها تحتَ ولايتِهم كما قيل فإنه غيرُ مصحِّحٍ لاتصافها بالوصف الآتي بل تنزيلاً لاختصاصها بأصحابها منزلةَ اختصاصِها بالأولياء ، فكأن أموالَهم عينُ أموالِهم لما بينهم وبينهم من الاتحاد الجنسيِّ والنَّسَبي مبالغةً في حملهم على المحافظة عليها كما في قوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ } [ النساء ، الآية 29 ] أي لا يقتُلْ بعضُكم بعضاً حيث عبّر عن بني نوعِهم بأنفسهم مبالغةً في زجرهم عن قتلهم فكأن قتلَهم قتلُ أنفسِهم ، وقد أيد ذلك حيث عبّر عن جعلها مناطاً لمعاشِ الأولياء فقيل : { التى جَعَلَ الله لَكُمْ قياما } أي جعلها الله شيئاً تقومون به وتنتعشون على حذف الأولِ ، فلو ضيَّعتُموه لضِعْتم ثم زيد في المبالغة حتى جُعل ما به القيامُ قياماً فكأنها في أنفسها قيامُكم وانتعاشُكم ، وقيل : إنما أضيفت إلى الأولياء لأنها من جنس ما يقيم به الناسُ معايشَهم حيث لم يُقصَدْ بها الخصوصيةُ الشخصيةُ بل الجنسيةُ التي هي معنى ما يقام به المعاشُ وتميل إليه القلوبُ ويُدّخر لأوقات الاحتياج ، وهي بهذا الاعتبارِ لا تختص باليتامى ، وأنت خبيرٌ بأن ذلك بمعزل من حمل الأولياءِ على المحافظة المذكورةِ كيف لا والوحدةُ الجنسيةُ الماليةُ ليست مختصّةً بما بين أموال اليتامى وأموالِ الأولياءِ بل هي متحققةٌ بين أموالِهم وأموالِ الأجانبِ ، فإذن لا وجهَ لاعتبارها أصلاً وقرئ اللاتي واللواتي وقرئ قَيْماً بمعنى قياماً كما جاء عَوْذاً بمعنى عِياذاً وقرئ قِواماً بكسر القاف وهو ما يقام به الشيءُ ، أو مصدرُ قاوم وقرئ بفتحها { وارزقوهم فِيهَا واكسوهم } أي واجعلوها مكاناً لرزقهم وكسوتِهم بأن تتّجروا وتربحوا حتى تكون نفقاتُهم من الأرباح لا من صُلْب المالِ ، وقيل : الخطابُ لكل أحدٍ كائناً مَنْ كان ، والمرادُ نهيُه عن أن يفوِّض أمرَ مالِه إلى من لا رُشدَ له من نسائه وأولادِه ووكلائِه وغير ذلك ، ولا يخفي أن ذلك مُخِلٌّ بجزالة النظمِ الكريم { وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً } أي كلاماً ليناً تطيب به نفوسُهم ، وعن سعيد بن جبير ومجاهد وابن جريج : عِدوْهم عِدةً جميلةً بأن تقولوا إذا صلَحتم ورشَدتم سلَّمْنا إليكم أموالَكم ، وكلُّ ما سكَنت إليه النفسُ لحسنه شرعاً أو عقلاً من قول أو عمل فهو معروفٌ وما أنكَرَتْه لقُبحه شرعاً أو عقلاً فهو منكر .