معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِيَ فِتۡنَةٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (49)

قوله تعالى : { وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون فإذا مس الإنسان ضر } شدة { دعانا ثم إذا خولناه } أعطيناه { نعمةً منا قال إنما أوتيته على علم } أي : على علم من الله أني له أهل . وقال مقاتل على خير علمه الله عندي ، وذكر الكناية لأن المراد من النعمة الإنعام ، { بل هي } يعني تلك النعمة { فتنة } استدراج من الله ، وامتحان وبلية . وقيل : بل كلمته التي قالها فتنة . { ولكن أكثرهم لا يعلمون } أنه استدراج وامتحان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِيَ فِتۡنَةٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (49)

يقول تعالى مخبرا عن{[25175]} الإنسان أنه في حال الضراء يَضْرَع إلى الله ، عز وجل ، وينيب إليه ويدعوه ، وإذا{[25176]} خوله منه نعمة بغى وطغى ، وقال : { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ } أي : لما يعلم الله من استحقاقي له ، ولولا أني عند الله تعالى خصيص لما خَوَّلني هذا !

قال قتادة : { عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي } على خيرٍ عندي .

قال الله عز وجل : { بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ } أي : ليس الأمر كما زعموا ، بل [ إنما ]{[25177]} أنعمنا عليه بهذه النعمة لنختبره فيما أنعمنا عليه ، أيطيع أم يعصي ؟ مع علمنا المتقدم بذلك ، فهي فتنة أي : اختبار ، { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ } فلهذا يقولون ما يقولون ، ويدعون ما يدعون .


[25175]:- في ت: "عن حال".
[25176]:- في ت: "فإذا".
[25177]:- زيادة من ت ، أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِيَ فِتۡنَةٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (49)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِذَا مَسّ الإِنسَانَ ضُرّ دَعَانَا ثُمّ إِذَا خَوّلْنَاهُ نِعْمَةً مّنّا قَالَ إِنّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىَ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلََكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فإذا أصاب الإنسان بؤس وشدّة دعانا مستغيثا بنا من جهة ما أصابه من الضرّ ، ثُمّ إذَا خَوّلْناهُ نِعْمَةً مِنّا يقول : ثم إذا أعطيناه فرجا مما كان فيه من الضرّ ، بأن أبدلناه بالضرّ رخاء وسعة ، وبالسقم صحة وعافية ، فقال : إنما أعطيت الذي أعطيت من الرخاء والسعة في المعيشة ، والصحة في البدن والعافية ، على علم عندي ، يعني على علم من الله بأني له أهل لشرفي ورضاه بعملي ( عندي ) يعني : فيما عندي ، كما يقال : أنت محسن في هذا الأمر عندي : أي فيما أظنّ وأحسب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ثُمّ إذَا خَوّلْناهُ نِعْمَةً مِنّا حتى بلغ عَلى عِلْمِ عندي : أي على خير عندي .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إذَا خَوّلْناهُ نِعْمَةً مِنّا قال : أعطيناه .

وقوله : أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ : أي على شرف أعطانيه .

وقوله : بَلْ هَيَ فِتْنَةٌ يقول تعالى ذكره : بل عطيتنا إياهم تلك النعمة من بعد الضرّ الذي كانوا فيه فتنة لهم يعني بلاء ابتليناهم به ، واختبارا اختبرناهم به وَلَكِنّ أكْثَرَهُمْ لجهلهم ، وسوء رأيهم لا يَعْلَمُونَ لأي سبب أعطوا ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ : أي بلاء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِيَ فِتۡنَةٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (49)

هذه حجة تلزم عباد الأوثان التناقض في أعمالهم ، وذلك أنهم يعبدون الأوثان ويعتقدون تعظيمها ، فإذا أزفت آزفة ونالت شدة نبذوها ونسوها ودعوا الخالق المخترع رب السماوات والأرض . و : { الإنسان } في هذه الآية للجنس . و : { خولناه } معناه : ملكناه . قال الزجاج وغيره : التخويل : العطاء عن غير مجازاة . والنعمة هنا : عامة في جميع ما يسديه الله إلى العبد ، فمن ذلك إزالة الضر المذكور ، ومن ذلك الصحة والأمن والمال ، وتقوى الإشارة إليه في الآية بقوله : { إنما أوتيته على علم } وبقوله آخراً { يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } ، وبذكر الكسب ، وكذلك الضمير في : { أوتيته } وذلك يحتمل وجوهاً ، منها : أن يريد بالنعمة المال كما قدمناه ، ومنها أن يعيد الضمير على المذكور ، إذ اسم النعمة يعم ما هو مذكر وما هو مؤنث ، ومنها : أن يكون «ما » في قوله : { إنما } بمعنى الذي ، وعلى الوجهين الأولين كافة .

وقوله : { على علم } في موضع نصب على الحال مع أن تكون «ما » كافة ، وأما إذا كانت بمعنى الذي ، ف { على علم } في موضع خبر «إن » ودال على الخبر المحذوف ، كأنه قال : هو على علم ، يحتمل أن يريد على علم مني بوجه المكاسب والتجارات وغير ذلك ، قاله قتادة . ففي هذا التأويل أعجاب بالنفس وتعاط{[9909]} مفرط ونحو هذا ، ويحتمل أن يريد على علم من الله في ، وشيء سبق لي ، واستحقاق حزته عند الله لا يضرني معه شيء ، ففي هذا التأويل اغترار بالله تعالى وعجز وتمن على الله . ثم قال تعالى : { بل هو فتنة } أي ليس الأمر كما قال ، بل هذه الفعلة به فتنة له وابتلاء .


[9909]:من معاني التعاطي: تناول ما لا يحق ولا يجوز تناوله، يقال: فلان تعاطى ظلمك، وتعاطى أمرا قبيحا، أي: ركبه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِيَ فِتۡنَةٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (49)

الفاء لتفريع هذا الكلام على قوله : { وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة } [ الزمر : 45 ] الآية وما بينهما اعتراض مسلسل بعضه مع بعض للمناسبات .

وتفريع ما بعد الفاء على ما ذكرناه تفريع وصف بعض من غرائب أحوالهم على بعض ، وهل أغرب من فزعهم إلى الله وحْده بالدعاء إذا مسهم الضر وقد كانوا يشمئزّون من ذكر اسمه وحده فهذا تناقض من أفعالهم وتعكيس ، فإنه تسببُ حديثثٍ على حديثثٍ وليس تسبباً على الوجود . وهذه النكتة هي الفارقة بين العطف بالفاء هنا وعطف نظيرها بالواو في قوله أول السورة { وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه } [ الزمر : 8 ] . والمقصود بالتفريع هو قوله : { فإذا مَسَّ الإنسان ضُرٌ دعانا } ، وأما ما بعده فتتميم واستطراد .

وقد تقدم القول في نظير صدر هذه الآية في قوله : { وإذا مسّ الإِنسان ضرّ دعا ربه منيباً إليه ثم إذا خوّله نعمة منه نسي } [ الزمر : 8 ] الآية . وأن المراد بالإِنسان كل مشرك فالتعريف تعريف الجنس ، والمرادُ جماعةٌ من الناس وهم أهل الشرك فهو للاستغراق العرفي . والمخالفة بين الآيتين تفنن ولئلا تخلو إعادة الآية من فائدة زائدة كما هو عادة القرآن في القصص المكررة .

وقوله : { إنما أوتيته على علم إنَّمَا } فيه هي الكلمة المركبة من ( إنّ ) الكافة التي تصير كلمة تدل على الحصر بمنزلة ( مَا ) النافية التي بعدها ( إلاّ ) الاستثنائية . والمعنى : ما أوتيت الذي أوتيتُه من نعمة إلا لعلم منيّ بطرق اكتسابه . وتركيز ضمير الغائب في قوله : { أوتيته } عائد إلى { نِعْمَة } على تأويل حكاية مقالتهم بأنها صادرة منهم في حال حضور ما بين أيديهم من أنواع النعم فهو من عود الضمير إلى ذات مشاهدة ، فالضمير بمنزلة اسم الإِشارة كقوله تعالى : { بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم } [ الأحقاف : 24 ] .

ومعنى { قال إنما أوتيته على علم } اعتقَد ذلك فجرى في أقواله إذ القولُ على وفق الاعتقاد . و { عَلى } للتعليل ، أي لأجل عِلممٍ ، أي بسبب علم . وخولف بين هذه الآية وبين آية سورة [ القصص : 78 ] في قوله : { على علم عندي } فلم يذكر هنا عندي لأن المراد بالعلم هنا مجرد الفطْنة والتدبير ، وأريد هنالك علم صَوغ الذهب والفضة والكيمياء التي اكتسب بها قارون من معرفة تدابيرها مالاً عظيماً ، وهو علم خاص به ، وأما مَا هنا فهو العلم الذي يوجد في جميع أهل الرأي والتدبير

والمراد : العِلم بطرق الكسب ودفع الضرّ كمثل حِيَل النوتيّ في هول البحر . والمعنى : أنه يقول ذلك إذا ذكَّره بنعمة الله عليه الرسولُ أو أحدُ المؤمنين ، وبذلك يظهر موقع صيغة الحصر لأنه قصد قلب كلام من يقول له إن ذلك من رحمة الله به .

و بل } للإِضراب الإِبطالي وهو إبطال لزعمهم أنهم أوتوا ذلك بسبب علمهم وتدبيرهم ، أي بل إن الرحمة التي أوتوها إنما آتاهم الله إياها ليظهر للأمم مقدار شكرهم ، أي هي دالّة على حالة فيهم تشبه حالة الاختبار لمقدار علمهم بالله وشكرهم إياه لأن الرحمة والنعمة بها أثر في المنع عليه إمّا شاكراً وإمّا كفوراً والله عالم بهم وغنيّ عن اختبارهم .

وضمير { هِيَ } عائد إلى القول المستفاد من { قال } على طريقة إعادة الضمير على المصدر المأخوذ من فعل نحو { اعدلوا هو أقرب للتقوى } [ المائدة : 8 ] ، وإنما أُنّث ضميره باعتبار الإِخبار عنه بلفظ فتنة } ، أو على تأويل القول بالكلمة كقوله تعالى : { كلا إنها كلمة هو قائلها } [ المؤمنون : 100 ] بعد قوله : { قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت } [ المؤمنون : 99 ، 100 ] والمراد : أن ذلك القول سبب فتنة أو مسبب عن فتنة في نفوسهم . ويجوز أن يكون الضمير عائداً إلى { نِعْمَة } .

والاستدراك بقوله تعالى : { ولكن أكثرهم لا يعلمون } ناشىء عن مضمون جملة { إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم } ، أي لكن لا يعلم أكثر الناس ومنهم القائلون ، أنهم في فتنة بما أُوتوا من نعمة إذا كانوا مثل هؤلاء القائلين الزاعمين أن ما هم فيه من خير نتيجةُ مساعيهم وحيلهم .

وضمير { أكثرهم } عائد إلى معلوم من المقام غير مذكور في الكلام إذ لم يتقدم ما يناسب أن يكون له معاداً ، والمراد به الناس ، أي لكن أكثر الناس لا يعلمون أن بعض ما أوتوه من النعمة في الدنيا يكون لهم فتنة بحسب ما يتلقونها به من قلة الشكر وما يفضي إلى الكفر ، فدخل في هذا الأكثر جميع المشركين الذين يقول كل واحد منهم : إنما أوتيته على علم .