فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِيَ فِتۡنَةٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (49)

قوله : { فَإِذَا مَسَّ الإنسان } المراد بالإنسان هنا : الجنس باعتبار بعض أفراده أو غالبها . وقيل : المراد به الكفار فقط ، والأوّل أولى ، ولا يمنع من حمله على الجنس خصوص سببه ، لأن الاعتبار بعموم اللفظ ، وفاء بحقّ النظم القرآني ، ووفاء بمدلوله ، والمعنى أن شأن غالب نوع الإنسان أنه إذا مسه ضرّ من مرض ، أو فقر ، أو غيرهما دعا الله ، وتضرع إليه في رفعه ودفعه { ثُمَّ إِذَا خولناه نِعْمَةً مّنَّا } أي أعطيناه نعمة كائنة من عندنا { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ } مني بوجوه المكاسب ، أو على خير عندي ، أو على علم من الله بفضلي . وقال الحسن : على علم علمني الله إياه . وقيل : قد علمت أني إذا أوتيت هذا في الدنيا أن لي عند الله منزلة ، وجاء بالضمير في أوتيته مذكراً مع كونه راجعاً إلى النعمة ؛ لأنها بمعنى الإنعام . وقيل : إن الضمير عائد إلى ما ، وهي : موصولة ، والأوّل أولى { بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ } هذا ردّ لما قاله ، أي ليس ذلك الذي أعطيناك لما ذكرت ، بل هو محنة لك ، واختبار لحالك أتشكر أم تكفر ؟ قال الفراء : أنث الضمير في قوله : { هي } لتأنيث الفتنة ، ولو قال : بل هو فتنة لجاز . وقال النحاس : بل عطيته فتنة . وقيل : تأنيث الضمير باعتبار لفظ الفتنة ، وتذكير الأوّل في قوله : { أُوتِيتُهُ } باعتبار معناها : { ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أن ذلك استدراج لهم من الله ، وامتحان لما عندهم من الشكر أو الكفر .